يُعدّ العالم والفيلسوف العربي عبد الرحمن بن خلدون شخصية بارزة في تاريخ الفكر الإنساني، خاصة فيما يخص مجالات التاريخ والعلم الاجتماعي. ولد سنة 732 هـ /1332 م في تونس العاصمة لأبوين تنحدر نسبهما إلى الأندلس. ومنذ شبابه المبكر، برزت لديه مواهب فذة جعلته أحد أهم المفكرين الذين أثروا الحركة الثقافية العربية والإسلامية.
اشتهر إبن خلدون كمؤرخ اجتماعي وفيلسوف سياسي، وقد ترك لنا كتاب "مقدمة ابن خلدون" التي تعتبر أول دراسة شاملة حول علم الاجتماع والتاريخ المقارن. هذه المقدمة تعد نواة لعلم الاجتماع الحديث وتعتبر مقدمة لتأسيس نظرية النظم الاجتماعية والدول والمجتمعات البشرية.
أحد أشهر إنجازاته هو نظريته الشهيرة حول "الدورة العمرانية للدول"، والتي تفسر سلوكيات الدول والحكومات وكيف تتطور عبر الزمن ثم تختفي لاحقاً. بناءً على هذا النظرية، طور نموذجاً يمكن استخدامه لفهم دوافع الحكومات والأمم وطبيعة الصراعات السياسية.
كما سلط ابن خلدون الضوء أيضاً على دور القوة الاقتصادية والعسكرية في تشكيل المجتمع السياسي والقانوني. بالإضافة لذلك، قدم رؤى عميقة حول طبيعة الإنسان وعلاقاته بتكوين المجتمع ومبادئ العدالة الاجتماعية.
وفي مجال الدراسات الإقليمية، كان لإبن خلدون إسهامات كبيرة؛ فقد درس وأوضح خصائص المناطق الجغرافية المختلفة وآثارها على الحياة اليومية والثقافة والسلوك البشري فيها. وهذا يدل على مدى شموليّة منهجه البحثي الذي جمع بين التاريخ والجغرافيا والاجتماع.
على الرغم من كل تلك المساهمات العلمية الرائدة، إلا أنه لم يحظ بالتقدير المناسب خلال حياته بسبب الظروف السياسية والمعرفية آنذاك. لكن تأثير أفكار ابن خلدون امتد قرونا عديدة بعد وفاته عام 808هـ/1406م ليصبح مورداً أساسيًا لكل باحث مهتم بالعلوم الاجتماعية سواء كانوا مؤرخين أم علماء نفس أو اقتصاديين أو متخصصين آخرين مرتبطين بالأبحاث المتعمقة للأنظمة الاجتماعية والبشرية بشكل عام.
