في فترةٍ زمنية غارقة بالغموض تُعرف بالعصر الحجري القديم، كان البشر الأوائل يواجهون تحديات الحياة اليومية وسط بيئة برية قاسية. يعود تاريخ هذا العصر إلى حوالي 2.6 مليون سنة مضت وامتد حتى نهاية آخر عصر جليدي تقريبًا قبل ستين ألف عام مضت. لقد شهد العالم تغييرات جذرية خلال هذه الفترة الطويلة، لكنها كانت أيضًا وقت اختبار لعزيمة الإنسان ومقدرته على التأقلم والاستمرار رغم الظروف القاسية.
كان شكل المجتمعات البشرية بسيطاً للغاية؛ لم تكن هناك مدن ولا ممالك، بل مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار كانوا يسعون للحصول على الطعام والمأوى والدفاع ضد مخاطر الطبيعة العديدة. استخدم الإنسان أدوات بدائية صنعها بنفسه من المواد المتاحة حوله مثل الأحجار والأصداف البحرية والعظام. وكان لكل مرحلة من مراحل هذا العصر اسم مميز بناءً على نوع الأدوات التي تم استخدامها أثناء تلك الحقبة.
خلال "العصر الحجري المبكر"، والذي يُشير إليه البعض باسم "باليوثيك"، طور الإنسان أولى أساليبه لصناعة الأدوات باستخدام الصوان والحجر الصلب لإنتاج رماح وأسنان وسكاكين خشنة الشكل ولكن فعالة لأداء مختلف الأعمال اليدوية اليومية. وفي الوقت نفسه، انتشرت البشرية بشكل واسع جغرافياً خارج أفريقيا واستوطنت مناطق أخرى كآسيا وأوروبا ومن ثم أمريكا الشمالية أيضاً.
وفي "العصر الحجري الوسيط"، المعروف أيضا باسم "الميسوليث"، بدأ الناس يتحولون تدريجياً من الاعتماد الكلي على اصطياد الحيوانات البرية وجمع المحاصيل الموسمية ليتعلموا كيف يستغلون موارد البيئة المحيطة بهم بطرق أكثر تنوعا وكفاءة. اكتشفوا كيفية طبخ الطعام مما ساهم بإضافة عناصر غذائية مهمة لنظامهم الغذائي التقليدي. كما شهد ذلك الوقت تطورا ملحوظا فيما يتعلق بصناعة الأدوات المنزلقة التي سمحت لهم بقطع مواد أكثر ليونة كالخشب والعاج بالإضافة للأعمال الخشبية الدقيقة الأخرى.
وأخيراً جائت "مرحلة النيوليث" أو ما يعرف بالعصر الحجري الحديث حيث حدث نقلة كبيرة نحو التحضر والثقافة الإنسانية. ظهر الزراعة وانتشار حيازات المواشي، وهو أمر غير معروف سابق لهؤلاء السكان الذين اعتمدوا فقط على نظام غذائي قائم أساساً على اللحوم وبذور النباتات المشابهة لحبوب الجنجل والتي عُرفت حينذاك بأنواع مختلفة منها الشعير والقمح والفاصولياء وغيرها كثير. وقد مكَّن ذلك الانقلاب الثقافي الكبير في طريقة إنتاج الغذاء سكان تلك المناطق بالحفاظ على تجمعات سكانية ثابتة الأمر الذي أدى لاحقا لتكوين مستوطنات دائمة ومعقدة اجتماعيا وثقافيا مقارنة بتجمعاتها القديمة المسقبلة لها بفترة طويلة جدا نسبيا.
هذه هي الرحلة الرائدة للبشرية منذ بداية ظهورها ككيانات قادرة على التفكير والإبداع داخل نطاق قدراتهم البدائية الأولى لتطور مجالات متعددة تشمل فروع الطباعة والفن والمعمار وما زالت تزدهر وتظهر أشكال جديدة ومتجددة لها بروحية الإبتكار المستمر لدى الإنسان عبر التاريخ المجيد للتقدم العلمي والصناعات المختلفة عامة بما فيها مجال علوم الآثار الحديثة لدينا الآن يوميا.