سلطان العلماء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الإصفهاني، المعروف باسم "إبراهيم اللقاني"، كان أحد ألمع النجوم البراقة في عالم الفقه والتفسير والشعر خلال القرن الحادي عشر الهجري. ولد عام 1026 هـ/1617 م وتوفي عام 1100 هـ/1689 م. يُعتبر هذا العالم الرباني مؤسس مدرسة فكرية أثرت مسيرة الثقافة الإسلامية عبر القرون.
نشأ اللقاني وسط بيئة علمية غنية بالإنتاج الأدبي والفكري، مما ساهم بشكل كبير في تشكيل شخصيته ومعرفته الواسعة بمختلف جوانب المعرفة. بدأ رحلته التعليمية مبكراً تحت رعاية والديه الذين حرصا على تعليمه القرآن الكريم وحفظه منذ سن صغيرة جداً. بعد ذلك، شرع في دراسة علوم اللغة العربية كالنحو والصرف والبلاغة، والتي كانت أساساً قوياً لبقية مسيرته الأكاديمية.
انتقل إلى بغداد لمتابعة تحصيله العلمي لدى كبار العلماء آنذاك مثل ابن حجر العسقلاني وعز الدين بن عبد السلام. هناك اكتسب خبرة واسعة في شتى الفنون الشرعية بما فيها الحديث والفقه والأصول والقراءات وغيرها الكثير. لم يقتصر نطاق اهتماماته فقط على المجال الديني فقد برع أيضاً في الشعر والنثر وأصبح له حضور بارز بين الشعراء والمفكرين عصرَهُ.
لم يكن نشاط اللقاني مقتصراً على التعلم والاستيعاب بل امتد لتشمل التدريس والإفتاء والكتابة الأدبية الغزيرة ذات التأثير الكبير حتى الآن. ترك وراءه مؤلفات عديدة تتناول مواضيع مختلفة منها كتابه الشهير "التوقيف على مهمات التهذيب" والذي يعد مرجعاً رئيسياً لدراسات التراث العربي الإسلامي. كما ألف العديد من الرسائل والتعليقات حول المواضيع المختلفة كاللغة والثقافة والمعارف العامة.
كان لسلوك القاني الأخلاقي والتزاماته الاجتماعية دوراً هاماً في بناء سمعته الطيبة داخل مجتمع عصره وخارجه أيضًا؛ إذ اشتهر بحسن خلقه ورغبته الشديدة لمساعدة الآخرين وتعليمهم دون انتظار مقابل. وقد تأثر بتعاليم الصوفية وانضم لنظام تربط فيه بالتزام أخلاقي عميق بالحفاظ على روحانية النفس وجسديتها كذلك.
في نهاية حياته المشرفة، أصبح الشيخ اللقاني المرجع الرئيسي لكل طالب معرفة وكبير الأئمة للعديد من المدارس التقليدية بالمشرق الإسلامي آنذاك، ليترك إرثاً فكرياً وثقافياً يبقى محفورا للأجيال القادمة باعتباره واحداً ممن يحمل لقب "سلطان العلماء".