كان هارون بن محمد بن عبد الله الأمين الرشيد الخليفة الخامس عشر في الدولة العباسية، والذي حكم بين العاميْن 786 و809 ميلاديّاً. يعتبر هارون أحد أكثر حكام العرب تأثيراً وشهرة خلال القرن الثاني الهجري. ولد عام 149 هـ الموافق لسنة 766 م بالقرب من المدينة المنورة لأبويه الخليفة محمد المهدي ولي الأمر آنذاك وعائشة بنت إبراهيم المعروفة بابنة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى.
تُوُلِّى هارون الحكم بعد وفاة أخيه موسى الهادي سنة ١٩٣ﻫ/٧٨٦م وكان عمره حينها اثنين وثلاثين عاما فقط؛ إلا أنه أثبت قدراته القيادية منذ بداية فترة ولايته. عرف هارون بحكمته وحسن تصرفاته تجاه شعبه ومكانتِه الفكرية والعلمية الواسعة التي امتد صداها عبر أرجاء العالم الإسلامي آنذاك. وقد جعل ذلك منه شخصية مؤثرة للغاية داخل وخارج حدود دولته.
اشتهر هارون بشخصيته الاجتماعية النشطة جدًا فضلاً عن اهتمامه الكبير بالحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي للدولة وتوسيع رقعة السلطة الإسلامية خارجياً أيضًا. فخلال عهده ازدهرت الثقافة والشعر والنقد الأدبي بشكل ملحوظ مما جعل عصرَه يُعرف بعصر "الرشيدي". كما حرص الخليفة المؤسَّس على دعم الفنون المختلفة مثل الموسيقى والعمارة والحرف اليدوية وغيرها الكثير مما ساهم بشكل كبير في ظهور نهضة ثقافية كبيرة لم تشهد لها البلاد نظيرًا قط حتى وقت قريب نسبياً.
ومن أهم إنجازاته الخارجية فتح مدينة طبرستان وطوس وبغداد وأرمينية وسلوقية ونواحي فارس وبلاد خراسان وكردستان وموصل والشام وغيرها العديد من المدن الأخرى مما أدى إلى توسيع نطاق النفوذ الإسلامي شرقا وجنوبا وغربا أيضا. بالإضافة لذلك فقد سعى لدعم الشعراء والأدباء والمفكرين سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم بشرط صدق إيمانهم وعدالة توجهاتهم العامة نحو المجتمع والتي كانت أساس قبول طلباتهم للحصول على الدعم الملكي لهم ولأعمالهم العلمية والإبداعية المشتركة مع الدولة. وكان لهذه السياسة دورٌ كبير لاحقا في تعزيز قوة الحضارة العربية وانتشار تأثيرها عالميًا خصوصًا خلال القرون الوسطى وما بعدها بفترة ليست قصيرة جداً بالمقاييس الزمنية لعصور التاريخ القديمة والمعاصره .
وفي المجالات الداخلية كذلك برز اسم هارون كشخصية بارزة للغاية بإصلاحاته العدلية المتنوعة ومن ضمن تلك الإصلاحات قوانينه الجريئة ضد المحسوبية والفساد الحكوميين بحيث فرض عقوبات شديدة لكل موظفي الدولة الذين يساهمون بطريقة مباشرة أو غير مباشره بتلك الظاهرة المؤذية للمجتمع والدولة عموما ؛ وهكذا استمر عطاء الرجل وإخلاصه لخدمة دينه ودولته حتى وفاته سنة ٢١٨ﻫ/٨٠٩م بمدينة طوس حسب الرواية الشائعة ولم ينجب خلفاً يرث ملك أبيه تاركا بذلك الباب مفتوح أمام شقيقه المفضل عباس ليصبح الخليفة التالي له ويظهر للعالم صورة جديدة لحاكم عباسي آخر يتميز بمواهبه الخاصة وقدراته الاستثنائية لإدارة دولة واسعه ومتعددة الأعراق والثقافات كالعباسيات أيام مجدهم الذروي قبل انهيارها النهائي عقب اغتياله المفاجئ أثناء رحلة صيد قرب بغداد فيما يعرف اليوم بالعراق حاليا .