في عالم العلوم والتاريخ، تعد مسألة اكتشاف واختراع الكهرباء واحدة من الأكثر إثارة للجدل. إن الفضل في هذا الإنجاز الرائد يعود إلى العديد من العلماء والمخترعين الذين ساهموا بشكل كبير في فهم وتطبيق هذه القوة الطبيعية القوية. ولكن إذا كنا نبحث عن شخصية محورية يمكن اعتبارها "مخترعة" الكهرباء كما نفهمها اليوم، فإن اسم "مايكل فاراداي" يبرز بين الكثيرين.
ولد مايكل فاراداي عام 1813 في لندن، وكان بداية حياته مليئة بالتحديات بما فيها الصغر المبكر لأبيه واضطراره لترك التعليم الرسمي مبكراً لدخول سوق العمل لمساعدة والدته. رغم ذلك، كانت شغفه بالعلوم واضحاً منذ صغره؛ حيث بدأ بتجميع كتب علمية ومحاضرات عامة حول المواضيع الكيميائية التي أثارت اهتمامه. وفي عمر الخامسة والعشرين فقط، انضم إلى جمعية هيئة البحوث التجريبية البريطانية حيث عمل تحت قيادة همفري ديفي.
تحت رعاية ديفي، طور فاراداي مهاراته العملية والأكاديمية بسرعة مذهلة. خلال فترة وجوده هناك، قاد عدة تجارب رائدة أسفرت عن اكتشافات مهمة حول الكهرومغناطيسية والكهروكيمياء. ربما أشهر تلك التجارب كانت عندما أظهر لأول مرة دور المغناطيس الدائم في توليد التيار الكهربائي - وهو الاكتشاف الذي أصبح يعرف الآن بمبدأ الحث الكهرومغناطيسي والذي شكل أساس المحركات الكهربائية الحديثة.
إن إسهامات فاراداي لم تتوقف عند الحدود الجغرافية التقليدية لتلك الفترة. فقد قام بنشر نتائج بحوثه الواسعة النطاق مما ساعد على نشر المعرفة الجديدة حول الكهرباء في جميع أنحاء العالم. وقد ترك تأثير عمله علاماته ليس فقط على الهندسة الكهربائية بل أيضا على مجالات متعددة مثل الفيزياء والكيمياء وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أنه قبل وقت طويل من أعمال فاراداي المتقدمة، قدّم علماء آخرون مساهمات كبيرة نحو تطوير نظريات وأجهزة كهربائية مختلفة. فمثلاً، يُعتبر ويليام جيلبرت أحد الأوائل الذين درسوا خصائص المغناطيسية والكهربية بشكل منهجي في القرن السابع عشر. بالإضافة لذلك، كان لكلٍّ من ستيفان أولينشويبر وجوزيف هالي دورا هاماً في فهم طبيعة المجال المغناطيسي الناجم عن التيار الكهربائي.
وعلى الرغم من عدم توافق بعض المؤرخين حول الشخص الذي اخترع حقا الكهرباء كما نعرفها اليوم بسبب تعقيد المسيرة البحثية لهذه الظاهرة العالمية، إلا أنه غالبًا ما يتم الاعتراف بأن ثورة استخدام الكهرباء للإضاءة والصناعة جاءت نتيجة لسلسلة طويلة ومتداخلة من الاكتشافات والإبتكارات بدءً بإعمال سابقتيه حتى وصلت لإبداعات لاحقيها أمثال توماس إديسون ونيكولا تسلا وما بعدهما بكثير.
وبالتالي، بينما يستحق كل واحد منهم تقديرا خاصّا لشجاعتهم وإلتزامهم تجاه تقدم البشرية، يبقى الاسم اللامع لفاراداي رمزا بارزا للمرحلة التحويلية للكهرباء من مجرد ظاهرة بحثيه إلى قوة دافعه للاقتصاد الحديث والحياة اليومية للناس حول العالم.