العراق، أرض النهرين بين النيل والفرات، حظيت بمكانة فريدة في تاريخ البشرية كمركز للحضارات الأولى. هذه الأرض الخصبة كانت مسرحاً لأول تجارب الإنسان في الزراعة والتجمعات البشرية المعقدة، مما مهد الطريق لظهور أول المدن وأول الدول.

تعتبر حضارة السومريون، التي ازدهرت منذ حوالي العام 4500 قبل الميلاد، واحدة من أكثر الحضارات تأثيراً في الشرق الأدنى القديم. قدموا لنا أدلة تاريخية قيمة مثل الكتابة المسمارية - وهي واحدة من أقدم الطرق المكتوبة في العالم. كما ساهم السومريون بشكل كبير في تطوير الرياضيات ونظام العد العشري الذي ما زلنا نستخدمه حتى اليوم.

بعد فترة طويلة من حكم السومريين، ظهر الأكاديون الذين أسسوا مملكة أكد في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد تحت قيادة الملك سرجون الأول. كان لهم دور بارز في نشر اللغة الأكادية واستخدامها كتواصل رسمي للإدارة والقانون. تميز عهدهم بتعزيز التجارة والنقل عبر الصحراء العربية، مما جعل منهم قوة اقتصادية مهمة.

وفيما بعد جاء البابليون الذين أسسوا إمبراطورياً مزدهرة خلال عهد حمورابي، أشهر قوانينها هي مجموعة القوانين "قوانين حمورابي". هذه القوانين تعكس مستوى متقدم جداً من الحكم القانوني وتنظيم المجتمع.

أخيراً وليس آخراً، يأتي الآشوريون الذين بنوا إحدى أكبر الإمبراطوريات في التاريخ القديم، امتدت من مصر إلى تركيا الحديثة. عرف عصرهم بالتنظيم الدقيق والإداري المتقدم، فضلاً عن بناء التحصينات الرائعة مثل مدينة آشور نفسها ومدينة نينوى الخالدة.

وبذلك، يمكننا القول إن كل حضارة من تلك الحضارات تركت بصمتها الخاصة ولكن أيضا ساعدت بعضها البعض لتقديم صورة شاملة لحياة الناس والحكم والدين والفنون في تلك الحقبة الزمنية البعيدة.