يعد الذكاء البشرى ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه تعكس تنوعاً هائلاً بين الأفراد. رغم الجدل الدائر حول وجود نوع واحد فقط من الذكاء أم عدة أشكال مختلفة له, إلا أنه من الواضح وجود سمات وخصائص متميزة يمكن تصنيفها ضمن فئات محددة. هذا التصنيف ليس بغرض التقسيم ولكن لتوضيح الفروقات والتباينات الموجودة داخل نطاق الذكاء العام للإنسان.
أحد هذه التصنيفات الشهيرة هو نموذج "الذوات المتعدد" المقترح من قبل هوارد جاردنير والذي يقسم الذكاء إلى ثماني ذوات رئيسية وهي: اللفظي/اللغوي, الرياضي/الكمي, المرئي المكاني, الموسيقى العاطفي, الشخصي الاجتماعي, الطبيعة البيئية, الحركي المرتب ,والعقلاني المنطقي. كل ذات تمثل طريقة فريدة للتعامل مع العالم والتفكير فيه.
على سبيل المثال، يمتاز الأشخاص ذوو الذات اللغوية بالقدرة الاستثنائية على استخدام اللغة بطرق إبداعية للتواصل والتعبير عن أفكارهم بشكل واضح ومقنع. بينما يتميز أولئك الذين لديهم ذات رياضية كمية بحلول سريعة لمشاكل المعادلات وحساب التفاضل والتكامل وغيرها من المسائل الرياضية الصعبة بدقة عالية وبسرعة ملحوظة. وفي المقابل، يعبر مالكو الذات المرئية والمكانية عمنظرتهم للعالم عبر الرسومات والنماذج ثلاثية الأبعاد وتمثيل الأشياء بصورة أكثر واقعية وجاذبية.
تبرز أيضاً أهمية الذوات الأخرى مثل الموسيقية والعاطفية والشخصية الاجتماعية والتي تتعلق بفهم المشاعر الإنسانية وفنون التأليف والتعبير عنها سواء كانت كلاميات أو موسيقية ومعالجتها اجتماعياً. بالإضافة لذلك، يشمل المجال الرقابي للأعين العديد من المهارات العملية كالرسم والنحت والبستنة وغير ذلك مما يحتاج لحركات دقيقة وتحركات جسمية مدروسة ومخططة جيدا. أخيرا وليس آخراً تأتي الذات العقلانية المنطقية التي تشهد حبكة العلاقات السببية والاستنتاجات القائمة عليها واستعمال الأدلة لإصدار الأحكام واتخاذ القرارات المناسبة بناءً على معلومات موثوق بها.
إن فهم طبيعة وأشكال ونطاقات عمل هذه الجوانب المختلفة لذكائنا يساعدنا جميعاً -معلمين، أولياء أمر طلاب، ورواد البحث العلمي– لفهم ديناميكيات التعلم والإبداع لدى الأطفال والكبار بشكل شامل وفعال كما يعمل كذلك كمرجع مهم لبرامج التدريب التربوي الحديثة وكأداة أساسية لتحسين طرق التعليم وطرق اختبارات التحصيل الأكاديمي بما يناسب مختلف الطلاب حسب ميولهم وقدراتهم الشخصية الفريدة الخاصة بهم.