تعود جذور الحضارة إلى عصور ما قبل التاريخ عندما بدأ الإنسان الحديث في تطوير أنظمة معقدة للتواصل الاجتماعي والمعرفة التقنية. تعتبر العديد من الحضارات القديمة فريدة ومذهلة بسبب قدرتها الاستثنائية على البقاء والتطور على مر العصور. ومن بينها، تعتبر حضارتي سومر ووادي الندى القديمتان من أقدم وأكثر الحضارات تأثيراً. كانت هذه المجتمعات مبنية حول النظم الكتابة والفلكيات والجغرافية والدين.
حضارة سومر التي ازدهرت في جنوب العراق الحالي حوالي عام 4500 قبل الميلاد، تعد واحدة من أولى الأمثلة المعروفة للحكم المركزي والمؤسسات الاجتماعية المتكاملة. ساهمت مدينة أوروك خصوصاً بشكل كبير بتطوير اللغة المكتوبة، مما مهد الطريق أمام اختراع الطرق التجارية عبر الصحراء العربية وبلاد ما بين النهرين. وقد تركت لنا آثار تلك الحضارة مجموعة غنية من النصوص الدينية والثقافية والفلسفية.
على الجانب الآخر, يعتبر الوادي الكبير لنيجر مكاناً آخر مهم جداً لما له من أهمية تاريخية وثقافية هائلة. يعود وجود هذا النشاط الثقافي العالي إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد تقريباً، وكان مركزا لتبادل الأفكار الفكرية والعلمية بين شمال غرب أفريقيا وغرب آسيا. وكانت مدن مثل غاو وكاني والأزمر تضم مراكز تعليم متقدمة ولحفظ كتب واسعة تعلم فيها علوم الفلك والموسيقى والقانون والشعر وغيرها الكثير.
وبالتالي يمكن القول بأن حداثة كلتا المنظومتين الأخيرتين لم تكن فقط نتيجة لجهودهما نحو بناء مجتمع مدني مستقر فحسب بل أيضاً نظرا لحجم المساهمات المعرفية التي قدموها للعالم ككل والتي ظلت مصادر إلهام وتعلم أساسية حتى يومنا هذا.