ثقافة العقد النفسية: فهم جذور المشاكل الداخلية وكيفية التحرير منها

تشغل العقد النفسية جزءًا محوريًا من حياة العديد من الأشخاص دون علم منهم بذلك غالبًا، إذ إنها تشكل عقبات غير مرئية تعيق تقدمهم وتؤثر بشكل عميق على صحته

تشغل العقد النفسية جزءًا محوريًا من حياة العديد من الأشخاص دون علم منهم بذلك غالبًا، إذ إنها تشكل عقبات غير مرئية تعيق تقدمهم وتؤثر بشكل عميق على صحتهم العقلية وطريقة تفاعلهم اليومي مع العالم الخارجي. تُعرّف العقد النفسية بأنها مجموعات من الأفكار المكبوتة والمُربكة للفرد، ترتبط بحالات عاطفية قوية وتقع تحت رحمة تضارب داخلي مستمر بين مختلف جوانب الشخصية.

تنمو هذه العقد داخل نفوس البشر منذ سن مبكرة، مدفوعة بثلاث عوامل رئيسية؛ أولها الرهاب الناجم عن تجارب مخيفة ومزعجة أثناء مرحلة الطفولة المبكرة، مثل مواقف الترويع والخوف المقترن بسلوكيات وسلوكيات الآخرين. ثاني هذه العوامل التجارب المؤلمة المتكررة التي تهدد شعور الفرد بالأمان والاستقرار النفسي. أما الثالث فهو الحرمان والعقاب الزائد عن الحد المناسب أثناء عملية التربية والتوجيه.

في حالة تعرض الطفل لحالة رهبة ناجمة عن شخص أو موقف مُعين، فقد يساهم ذلك في نمو "عقدة" دائمة لدى الطفل تجاه هذا الشيء أو الشخص نفسه. وقد تستمد هذه الحالة أيضًا طابعًا أكثر شمولًا فيما يعرف بـ "الخوف العام"، والذي يمكن أن يؤثر لاحقًا على استجاباته الاجتماعية وأسلوب تفكيره ونظرته للحياة المحيطة به. بل إن الأمر يصل أحيانًا لاستنباط رابط بين الماضي والمستقبل عبر ارتباطات ذهنية تربط حدثًا سابقًا بشخص أو مكان جديد تمامًا ولكن يحمل سمات مشابهة لذلك السابق.

كما تلعب المحنة الإنسانية دورها الريادي في إطلاق النار على قدم الذات -أو لنقل صورة مجازية بالعبارة العربية- فالطرائق التقليدية الضارة للأبوة والأمومة سواء كانت مباشرة كالترهيب أو الغضب المسترسل بلا سبب ظاهر، أو غير مباشر كتجاهل الاحتياجات الأساسية والإلحاح عليها باستبدال بدائل أقل جاذبية لها؛ تمثل بيئة خصبة لتكوين الدواخل المغبرة لدى الصغير. وبالتالي تبدأ دورة البحث الداخلي المضني لإيجاد حل لمشكلة لم تكن موجودة أصلا! وهكذا تُزرع بذور الألم النفسي وحزن القلب المدفون خلف أبواب قلوبنا مغلقة بإحكام بسبب مخاوِف وخفايا مجهولة المصدر لنا نحن ذاتنا!

وعليه فليس هناك طريقة سريعة وآلية للقضاء فورًا وفعلًا على مثل تلك الأمراض السرطانية المعدية لأرواحنا؛ لكن التفهم الكبير والجدي لكل خطوة مهم جدًا لتحقيق نتائج مرضية طويلة المدى وستبدأ بغزوات صغيرة باتجاه الانتصار النهائي ضد الظلام الجاثم فوق صدورنا. وعلى الرغم من أهميته القصوى إلا أنه ليس ممكن التسليمٌ بأنه سبيل الحل الوحيد أمام الجميع، فعلى الرغم من كون العلاج معرفيًا بنسبة كبيرة إلّا إنه يعتري الكثير منه القدر الأكبر من العنصر العملي المرتبط تحديدًا بالتطبيق العملي للنظريات العلمية المطروحة حديثَا –التي سنتطرق إليها– بالإضافة للجوانب الروحية والدينية الخاصة بكل فرد بما فيها التأمل الذاتي واتباع نهج الحياة الأكثر توافقا معه ومع معتقداته الدينية والشخصية.


عاشق العلم

18896 مدونة المشاركات

التعليقات