تعتبر خريطة العالم أدوات أساسية تساعد البشر منذ قرون طويلة في التنقل والتواصل التجاري والثقافي بين مختلف المناطق عبر المسافات الشاسعة للأرض. يعود الفضل إلى علماء الفلك والملاحين القدامى الذين طوروا طرقاً مبتكرة لقياس وتحديد مواقع الأماكن المختلفة على سطح الأرض بناءً على زوايا موقعها بالنسبة للنجوم والأجرام السماوية الأخرى. أحد أهم اكتشافاتهم كان نظام "دوائر العرض" و"خطوط الطول".
في البداية، استخدم اليونانيون القدماء مفهوم دائرة عرض واحدة فقط تُعرف باسم "الدائرة الاستواء"، والتي تمر عبر نقطة الوسط بين القطب الشمالي والجنوبي وتكون بزاوية قائمة مع محور دوران الأرض حول نفسها. ومع ذلك، فقد عرف المصريون والفراعنة الآخرون بالفعل وجود أكثر من مدار واحد قبل آلاف الأعوام، ولكن لم يكن لديهم الوسائل الرياضية اللازمة لتوضيح هذه المفاهيم بدقة.
مع مرور الوقت، تطورت نظريات علم المثلثات وأصبحت الأدوات مثل جهاز الرصد الفلكي والجداول الزمنية الدقيقة متاحة بشكل واسع مما سهّل عملية حساب مواقع النجوم والدوائر المدارية. هنا يأتي دور كريستوفر كولومبوس وإسحاق نيوتن وهيرمان فون كيرتشوف وغيرهم ممن ساهموا بتطوير منهجيتهم الخاصة لحساب خطوط طول ومواقع مختلفة ضمن شبكة عالمية مدروسة جيدا.
بدأ عصر جديد عندما قام البرتغالي بيريس دو سيلفا رسمياً بإعداد أول خارطة شاملة تعتمد على تلك الأساليب العلمية الحديثة عام ١٥٠٢ ميلاديه. ومنذ ذلك الحين، ارتقت مهارات الخرائط وتم اعتمادها كمصدر موثوق لفهم العلاقات المكانية للعالم الطبيعي للإنسان.
تأثير هذا النظام الهندسي واضح اليوم بكل اختراعات واتصالات حديثة؛ فهو يشكل أساس جميع أنظمة الاتصال الحديثة بما فيها نظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس، بالإضافة لأبحاث علوم البيئة والكوارث المناخية وأعمال البحث المستقبلية المتعلقة باستكشاف واستعمار الفضاء الخارجي. وبالتالي فإن فهم مفاهيم الخطوط والحلقات أمر ضروري ليس فقط للملاحة العامة بل أيضًا لتحقيق تقدم كبير في العديد من مجالات الحياة المعاصرة.