يُعدّ المسجد الأقصى أحد أهم وأقدس المواقع الدينية بالنسبة للمسلمين حول العالم. يقع هذا الصرح الإسلامي الكبير في قلب مدينة القدس القديمة ويعود تاريخ بنائه إلى العصور البعيدة جداً. يعكس وجوده دور المدينة المقدسة كمركز ثقافي وديني حيوي منذ القدم حتى يومنا الحالي.
بدأ تاريخ بناء المسجد الأقصى مع زيارة النبي سليمان عليه السلام للبلاد حين أمر ببناء الهيكل اليهودي المعروف باسم "بيت المقدس". ومع مرور الوقت وتغير الحقب الزمنية، شهدت المنطقة العديد من التغيرات التي أثرت بشكل مباشر على شكل وبنية المكان.
في القرن السابع الميلادي، تحول موقع بيت المقدس إلى قاعدة عسكرية رومانية مهمة خلال فترة حكم الإمبراطورية البيزنطية. ولكن بعد الفتح الإسلامي لبيت المقدس عام 638 م تحت قيادة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بدأت الحقبة الجديدة التي حملت طابعاً مختلفاً تماماً.
بعد فتحها، قام النصارى بإعادة ترميم الكنيسة الموجودة وقتذاك والتي كانت تسمى كنيسة القيامة آنذاك، لكن سرعان ما تم هدم جزء منها لإفساح المجال أمام بداية أعمال بناء مسجد جديد أعيد تصميمه لاحقاً ليصبح المسجد الأقصى كما نعرفه اليوم.
خلال العهد الأموي، واصل الخليفة الوليد بن عبد الملك توسيعات كبيرة في مجمع المساجد المحيط بالأقصى مما جعله واحداً من أكبر المشاريع الهندسية والدينية للإسلام المتأسس حديثاً خارج الجزيرة العربية. وقد ترك هذا العمل الفذ بصمة واضحة على الطراز العمراني للمكان الذي استمرت نبضته عبر القرون التالية حتى عصرنا الحديث.
بفضل جهود خلفائه ومرورا بالعصرين العباسي والفاطمي الذين أدخلوا تعديلات جمالية وتحسينات تقنية جديدة, ظل المسجد الأقصى شاهدا حياً على الحركة الثقافية الغنية والتقاليد الإسلامية الراسخة التي ازدهرت داخل هذه الجدران الشامخة.
وفي الآونة الأخيرة، ظلت قضية الأرض المباركة محل اهتمام دولي كبير بسبب ارتباطها الروحي والمعنوي العميق لدى المسلمين حول العالم ووضعيتها القانونية الخاصة ضمن القانون الدولي الإنساني باعتبارها منطقة محمية بموجب اتفاقيات جنيف واتفاقيتي رودس ولندن بشأن وضع فلسطين. لذلك فهو ليس فقط معلم ديني وثقافي فحسب بل رمز سياسي أيضاً يحظى بتقدير واسع بين المجتمع العالمي بالنظر لمكانته السياسية والاستراتيجية الاستثنائية.
