مفهوم الذات يشكل أحد أهم الأعمدة في بناء الشخصية الإنسانية، وهو نتاج ديناميكي يتم تشكيلُه تدريجياً عبر التجارب اليومية والمواجهات المجتمعية والفردية. يُعرّف علماء النفس الذات بأنها مجموعة من الأفكار والمعتقدات حول الذات التي تؤثر بشدة على طريقة تواصُلنا وسلوكنا وتعاملنا مع العالم من حولنا.
في بداية الأمر، طرحت العديد من النظريات النفسية مفهومَ "الأنا العملية"، كما أسماه ويليام جيمس، والذي يشير إلى جميع الجوانب التجريبية للشخص مثل الصحة الجسمية، المهنة، العلاقات الاجتماعية وغيرها. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية انفتحت لاحقاً لتشمل منظورين رئيسيين: نظرة الذات الموضوعية والجانب العملي للأفعال والسلوكيات.
تشير النظرية الموضوعية للذات إلى كيفية تقدير الفرد لجدارته واحترازه الذاتي؛ بينما تُركز الجانب العملي على القدرة الفردية على القيام بالأعمال واتخاذ القرارات المستندة إلى تجارب الماضي وحاضره. يؤكد هذان المنظوران على الدور المركزي الذي يلعبه مفهوم المرء عن ذاتِه في توجيه سلوكه وعلاقاته مع الآخرين.
إنشاء مفهوم الذات هو عملية تطورت منذ الولادة عندما تبدأ الخلايا العصبية لدى الطفل في التشكل والنمو تحت تأثير المحفزات الخارجية والقيم الداخلية المتراكمة. هنا يأتي دور البيئة المحيطة بتوفير النماذج الأولية للتواصل والاستجابات الاجتماعية الطبيعية.
بالإضافة لذلك، توضح الدراسات الحديثة أنه يمكن تصنيف مفهوم الذات بناءً على عدة عوامل منها الشعورية والجسدية والثقافية وغيرها. إنها دائماً مرنة قابلة للتغير نتيجة للخبرات الجديدة أو المناخ المعيشي المتغير باستمرار. علاوة على ذلك، تعد قدرة الشخص على تغيير واستيعاب تغيرات جديدة ضمن حدود شعوره بالسيطرة واحدة من أكثر الأمور تحديداً لشخصيته وفهمه للحياة.
وبالتالي، فإن فهمنا العميق لكيفية تأليف الوعي اللاواعي لنا كمخلوقات حيوية قادرة على التأثير والتفاعل داخل مجتمعاتها أمر حيوي لفهم طبيعتنا البشرية الغنية والمعقدة. إن رحلتنا نحو اكتشاف مفهوم الذات ليست مجرد بحث عقلي بل جزء متكامل وشخصيًا من حياة كل واحد فينا.