تعتبر شخصية "جابر بن حيان"، المعروف أيضاً باسم أبو موسى الخازن، واحدة من أكثر الشخصيات العلمية شهرةً وتأثيراً في تاريخ العلوم العربية والإسلامية. هذا الرجل الفذ، الذي يُلقب بأب الكيمياء الحديثة، ترك بصمة واضحة في مجالات متعددة مثل الطب والكيمياء والفلك وغيرها الكثير. ولكن، ما هو مكان وفاته؟ هذه هي القصة التي نحاول إضاءتها هنا.
على الرغم من غزارة مؤلفات جابر بن حيان وبروز اسمه عبر التاريخ الإسلامي والعلمي، إلا أنه لم يتم تحديد موقع دقيق لوفاته بشكل قاطع حتى الآن. هناك خلاف بين المؤرخين حول المكان الدقيق لوفيته، لكن يمكننا استقراء بعض الروايات المتاحة لتقديم صورة عامة عن احتمالات مختلفة.
بحسب العديد من المصادر التاريخية، ولد جابر بن حيان حوالي عام 721 ميلادي في منطقة تسمى طوس، والتي تقع حالياً ضمن الحدود الإيرانية. عاش معظم حياته في بغداد خلال عصر الدولة العباسية، حيث كان يعمل كشاعر وكيميائي معروف بمعارفه الواسعة ومؤلفاته العديدة حول علم الكيمياء. وقد أثرت كتاباته بشكل كبير على تطوير هذا العلم وأثرّت أيضًا على الشعوب الأوروبية لاحقاً.
وعند الحديث عن آخر أيامه، تشير بعض الكتابات إلى احتمال انتقال جابر إلى مصر قبل وفاته مباشرة؛ وذلك بسبب ارتباطه الوثيق بالخليفة العباسي هارون الرشيد وزوجته زبيدة بنت جعفر الصادقة. وفي مصر، يعتقد البعض بأنه ربما قضى فترة قصيرة في مدينة القاهرة قبل انتهاء مساره الزمني الحافل بالإنجازات العلمية والثقافية.
ومن ناحيتها الأخرى، تقدم روايات أخرى سيناريوا مختلفاً. فبعض الباحثين يشيرون إلى احتمالية سفر جابر مرة أخرى إلى بلاده الأصلية إيران بعد تقاعده من العمل الحكومي في العراق. ويذكر هؤلاء أن نهاية أيام الحياة قد تكون أقتربت منه أثناء وجوده في تلك المنطقة الجغرافية الغنية بالتراث التاريخي والحضاري. ومع ذلك، فإن الأدلة الداعمة لهذه الفرضية ليست قطعية مما يؤدي بنا للتساؤل بشأن طبيعة مآله الأخير.
وفي المقابل، هناك رأي ثالث يدعم فرضية كون موضع دفنه مجهولا تماماً ولم يحظ بإشارات واضحة في سجلات التاريخ المسجلة آنذاك. فقد كانت عادة حفظ أماكن قبور النخب الاجتماعية والدينية والأدبية نادرة خارج نطاق الأقارب والمحيط الاجتماعي الضيق لهم حينئذٍ. ولذلك، يبقى الأمر مجرد تكهنات بناء على الظروف السائدة وقتها وليس تأكيدا قطعيا للحقيقة التاريخية الصرفة.
ختاماً، تبقى مسالة معرفة مكانه النهائي لغزا محيرا لدى جمهور المهتمين بمجال التاريخ والشخصيات البارزة فيه رغم أهميته القصوى بالنسبة لفهم السياقات الثقافية والعلمية لعصر ازدهارا للعرب والمسلمين والذي يعد جزءا أساسياً لحاضر البشرية المتعدد الأعراق والمعارف المختلفة المنبعثة منذ قرون مضت. إن حياة وحكمة ورؤية عالم الفلك والكيميائي الشهير ستستمر بلا شك مصدر إلهام للأجيال المقبلة ودليلًا واضحًا قدرة الإنسان العربي القديم علي اكتشاف عجائب الطبيعة واستخدام علومه بما يفيد الإنسانية جمعاء .