تعدّ مدينة القيروان إحدى أهم المعالم التاريخية والثقافية في العالم الإسلامي، وهي تحتل مكانة بارزة بين المدن العربية القديمة. تُعود تسمية "القيروان" إلى الجذر العربي "قرن"، والذي يعني البيوت المتراصة المتلاصقة. وقد انتشرت هذه التسمية لوصف العديد من الأماكن ذات البنية العمرانية المشابهة للقيروان. وبالرغم من الروايات المختلفة حول تاريخ تأسيس المدينة، إلا أن معظم المؤرخين يوافقون على أن العقيد العسكري القوي وعاشق العلم، عقبة بن نافع الفهري، هو المؤسس الحقيقي لهذه المدينة عام 670 ميلادي/50 هجري.
عقبة بن نافع الفهري، رغم خلفيته البدوية نسبياً، أثبت مهارات قيادية استثنائية وخبرة عسكرية واسعة خلال فترة حكم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. وفي بداية القرن الثاني للهجرة، قام بتوسيع الإمبراطورية الإسلامية نحو الشمال الأفريقي، مسلطاً الضوء بشكل خاص على مقاومة قبائل البربر المحلية لبسط النفوذ الإسلامي. بعد عدة حملات عسكرية ضد القبائل البربرية في شمال أفريقيا، اختار عقبة موقعاً استراتيجياً لإقامة قاعدة عسكرية ومنطقة مستقرة للمسلمين المغتربين الذين كانوا يعملون كموظفين حكوميين ومستوطنين جنوداً. وظل هذا الموقع مجهول الهوية حتى اكتشف المهندسون الفرنسيون آثار القرون الوسطى أثناء أعمال التنقيب الحديثة.
كان اختيار عقبة لموقع القيروان ذكيًا جداً؛ فقد كان يشرف على طرق التجارة الرئيسية ويقع ضمن منطقة محمية طبيعية. كما أنه موقع متعدد الثقافات والمذاهب الدينية، مما يعكس تنوع المجتمع الذي سعى إليه عقبة منذ البداية. لقد كانت الرؤية الاستراتيجية لعقبة واضحة عندما خطط لإنشاء مجتمع شامل ومتنوع اجتماعياً ودينياً وثقافياً.
بدأ بناء المدينة رسميًا بعد عدة محاولات فاشلة لتأسيس مستوطنة دائمة في المنطقة نفسها بسبب عدم توفر مصادر المياه الصالحة للشرب بحرية. ومع ذلك، وبفضل إصراره وتخطيطاته المدروسة جيداً، تمكن عقبة من حل مشكلة المياه بإحداث قناة تربط نهري مجدول وفهامة بطريق معماري مبتكر. وأصبحت هذه المساحة الواسعـة الموفرة نتيجة لقناة مياه قيمة للغاية بالنسبة لسكان القيروان فيما بعد.
أما بشأن الهندسة المعمارية للمدينة الجديدة، فقد اتبع عقبة نظام قرى صغيرة داخل سور واحد كبير يضم ثلاثة أبواب رئيسية للحماية والدفاع. كل قرية تحتوي على مسجد وجامع حديث بالإضافة لمنزل محمي بالجدران الخارجية للسور الكبير نفسه. وكان هناك أيضاً سوق خارج السور الرئيسي يدعى "السوق الأحمر"، وهو المركز الاقتصادي والتجاري الحيوي آنذاك.
لم تكن المساجد مجرد أماكن لعبادة المسلمين فقط ولكن أيضا مراكز تعليم ونشر للعلم والمعرفة طوال الفترة الزمنية التي تلت تأسيس المدينة مباشرةً وبعد ذلك بكثير أيضًا. وقد أصبح مسجد عقبة أحد أشهر المساجد التاريخية ليس فقط لأهميته الدينية بل ولأنه أول جامع يُقام على الطراز الإسلامي التقليدي خارج شبه الجزيرة العربية ويتمتع بتاريخ غني بالأحداث التاريخية والحروب والصراعات السياسية والعسكرية المهمة والتي جعلت منه رمزًا مميزًا لهوية المنطقة الشرق الأوسط عمومًا ومصر خصوصًا طيلة عصر الدولة الأموية للدولة الفاطمية مرورًا بالإمبراطوريتين الرومانية والإسبانية وانتهاءً بالاحتلال الفرنسي وإلى اليوم الحالي وما تزخر به الجزائر من حضارة وتاريخ عظيمين يجسدونه بكل تفاصيلهما الجميلة الرائعة التي تستحق الوقوف أمام جماليتها ورؤيتها برحابتها المنبسطة والنابضة بالحياة وسط الصحراء القاسية المناخ لكن روح أهل تلك البلاد تجلو عنها ظلمة الحياة المقيتة وتحولوها إلى رخاء وسعادة وطيبة مزدهرة خالية من هموم الدنيا وزؤاماتها! إنه بالفعل مثال حي حيواني لكل ما يمكن وصفه بأنه نموذج رائد لاستمرارية وجود الإنسان واستقراره واستدامته للأبد! إنها قصة حياة مليئة بالتحديات النادرة بدءًا بوضع اللبنات الأولى لهذه المستوطنة الصغيرة ثم توسعت واتسعت رقعة الأرض بجوار نهر المجعد والجهاد المقدس لدفع خطر الغزوات البيزنطية والقوة الشرسة لجيش الوليد بن عبد الملك وابنه عمر بن الوليد وغيرهم الكثير ممن شاركوا بحماس وشغف شديدين لرؤية هذه التحفة الفنية العملاقة المذهلة ترتقي بمجد وحضور دولة اسلاميه عظيمه تؤكد حضورها العالمي باعتبارها قوة سياسيّة حضاريّه عالميّه جامعة تشكل امتداد ثقافي واجتماعي ايجابي يتجاوز حدود التعصب العنصري والمحسوبيات السياسيوالتحيزات العرقية ليصبح الجميع جزء مهم مما يسمى بالعائلة البشرية واحدة بلا فرق ولا نقصان ولا نقصan!