مدينة بغداد، العاصمة العراقية، تعكس عمق التاريخ والثقافة العربية والإسلامية. تأسست هذه المدينة الاستراتيجية عام 762 ميلادياً على يد أبو جعفر المنصور، مؤسس الدولة العباسية الثانية. كانت تسمى "مدينة السلام"، وكانت محاطة بجدران دائرة نصف قطرها حوالي 2,700 متر، مع أربعة حواجز مركزية تحمي حدودها.
في ذروتها خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، خاصةً في عهد الخلفاء المهدي وحارون الرشيد، ازدهرت بغداد اقتصاديًا وثقافيًا بشكل كبير. أصبحت معروفة كأكبر مدن العالم وقتذاك، ومصدر إلهام للعديد من القصص والأعمال الأدبية الشهيرة مثل "ألف ليلة وليلة". تشجع الخليفة المأمون على ترجمة الكتاب اليونانية القديمة إلى اللغة العربية، وأنشئ المؤسسات التعليمية المتقدمة مثل المستشفيات، المدارس الفلكية (المراصد)، وجذب علماء وفنانين مشهورين للعيش فيها.
ومع ذلك، بدأت الفترة الذهبية لبغداد تتلاشى تحت وطأة الصراعات الداخلية والخارجية. اندلعت خلافات وخيمة بين أولاد هارون الرشيد مما أسفر عن أعمال تخريب واسعة النطاق بين السنوات 836-892 م. نتيجة لذلك، هجر الناس المدينة وانتقلوا إلى العاصمة الجديدة سامراء. لاحقًا، تعرضت بغداد للغزوات والقهر من قبائل مختلفة بما في ذلك البويهيون والسلاجقة الأتراك.
كان أحد أهم أحداث تاريخها هو سقوطها أمام المغول سنة 1258 م، وهو الحدث الذي أنهى حقبة الحكم العباسي وسحق الكثير من المعارف الإنسانية حيث دمروا مكتبتها الضخمة بالإضافة لموارد المياه العلمية الأخرى. ظلت بغداد ضمن نطاق سيادة فارس لفترة قصيرة قبل أن تستعيدها الإمبراطورية العثمانية.
وفي العصر الحديث، شهدت بغداد تغيرات كبيرة أخرى. فقد احتلت بريطانيا البلد واحتلت بغداد نفسها عام 1917 م لتعلن لاحقا استقلال البلاد واستقرار وضعيتها السياسية كعاصمة عراقية عصامية جديدة. ومع ذلك، فإن ذكرى الاحتلال الأمريكي لها عام 2003 لاتزال محفورة بشدة في ذاكرة أهلها بسبب الدمار الواسع النطاق الذي لحق بها آنذاك ولم يستحضر إلا مؤشرات فوضوية على عدم الاستقرار الامني ونسب مرتفعة لجرائم السرقة والنهب.