كان اكتشاف وفهم تنوع الحياة على الأرض واحدًا من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام التي حظيت باهتمام العلماء منذ القدم. بدأ هذا المسعى الطويل بملاحظات بسيطة حول العالم الطبيعي وأدى إلى إنشاء نظام متقدم للتصنيف يمكّننا اليوم من تنظيم مليارات الأنواع المعروفة بطريقة منطقية وعلمية.
تعود جذور التصنيف العلمي إلى اليونان القديمة، عندما حاول أفلاطون وأرسطو أولاً ترتيب النباتات والحيوانات بناءً على خصائصها التشريحية والسلوكية. ومع ذلك، فإن هذه الجهود مبنية بشكل أساسي على النظريات الفلسفية وليس عليها أساس علمي دقيق.
بعد القرون الوسطى، شهد القرن الثامن عشر نهضة كبيرة في علوم الأحياء والكيمياء وعلوم أخرى كثيرة، مما أدى بدوره إلى تقسيم محكم للأحياء إلى فروع متخصصة مختلفة مثل علم الوراثة ونظرية التطور وغيرهما الكثير. وفي سياق هذه التحولات الثقافية والعلمية، ظهرت حاجة ماسة لتجميع كل المعلومات المتاحة عن الكائنات الحية بشكل منهجي ومنظم.
في عام 1758، قدم كارلوس لينيوس نظامه الشهير "Binomial nomenclature" والذي يستخدم حتى يومنا هذا ويعتبر أساس نظام التصنيف الحديث. يقوم هذا النظام بتسمية كل نوع كائن حي باسم مركب مكون من اسم جنس وصنف، مع تطبيق قواعد ثابتة للحفاظ على الاتساق والدقة.
على مدى قرنين من الزمن، طور علماء الأحياء مخططات ومناهج متنوعة لتحسين عملية التحديد والتوصيف النوعي لكافة أنواع الكائنات الحية الموجودة حاليًا - والتي يُقدر عددها بحوالي ثمانية ملايين كائن مختلف حسب آخر الدراسات الحديثة. وقد شملت هذه الجهود استخدام طرق بيولوجية جديدة ومبتكرة لاستخلاص بيانات تفصيلية تتعلق بالمركبات الجينية والأيونات والمواد المختلفة الأخرى داخل الخلايا وعناصر التركيب الخارجي أيضًا. بالإضافة لذلك، ساعد تطوير المجاهر الإلكترونية والحاسوب الرقمي وبرامج تحليل البيانات الضخمة ("Big data") المجتمع العلمي بشكل كبير خلال عمليتي البحث والاستنتاج المستمرتين لفهم طبيعة الحياة وتعقيداتها بشكلٍ شامل.
ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى ضمن مسيرة تطوير الأسلوب العلمي الخاص بتصنيف الحيوان نجد عالمين بارزين وهما جون رايلي وجورج غانتر؛ إذ سعوا لإيجاد حلول وسط بين مقترحات نظرية التكوين المشترك لنسب جميع أشكال الحياة والمعرفة التقليدية القائلة بأن لكل نوع خلقه الخاص والفريد غير المرتبط بسلالة مشتركة. واستنادا لهذه الأفكار فقد ابتكر الاثنان طريقة تسمى \"القائمة المركزية\" لحصر مجموعات فرعية متعددة ضمن الشجرة التطورية الواحدة ولكن بطرق مستقلة بعض الشيء- وهو ما يعد أحد أهم المحاولات المبذولة تجاه تحقيق توازن دقيق بين التفسير الدارويني للتطور وبين الاعتراف بإبداع الله عز وجل وحكمة صنعه للعالم وما فيه من عجائب خلق!
وفي النهاية، فإن رحلتنا المستمرة نحو تسجيل وإدراج كل مخلوقات الله تعكس رغبة الإنسان المعلنة في معرفة قدرته سبحانه وتعالى والإعجاب بآياته الدالة عليه وعلى وحدانيته جل وعلى. إنها رسالة مستدامة تدفع البشر لمواصلة استكشاف مجاهل الكون ومعرفته بهدف الوصول بصورة أقرب للمطلق الحق والخالق الواحد المدبر لعباده وفق حكمته البالغة ومعجزاته الظاهرة والجليّة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد...