كانت ثورة المهدي حدثاً بارزاً في التاريخ السوداني والمشرقي الأوسع نطاقاً، وتعود جذورها إلى مجموعة معقدة ومتشابكة من الدوافع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي تراكمت عبر الزمن. وفيما يلي تحليل متعمق لهذه العوامل الرئيسية:
- الظلم والاستبداد السياسي: يشير العديد من المؤرخين إلى الظروف القمعية خلال الحكم التركي المصري لبداية القرن التاسع عشر كمحفز رئيسي للثورة. كانت سياسة الإنفاذ الشديد لمجموعة قوانين دينية وأخلاقية غريبة تعيق الحرية الدينية والتقاليد المحلية مما أدى إلى سخط عام بين السكان السودانيين.
- العوامل الاقتصادية: شهدت الفترة ما قبل الثورة انحداراً اقتصادياً ملحوظاً في البلاد بسبب السياسات غير المدروسة للحكومة المركزية والإدارة الفاشلة للموارد. هذا الوضع الاقتصادي الصعب زاد من حالة الاحباط العام وأدى إلى انتشار الجوع والفقر، وهو ما كان له دور كبير في تأجيج نار الثورة.
- الآثار الثقافية والدينية: يمكن أيضاً رصد تأثير الطائفة الإسلامية الخدوجية وظهور محمد أحمد محجوب "المهدي"، والذي ادعى أنه المسيح المنتظر وأن مهمته هي مقاومة الاحتلال الغربي وإعادة الدين الإسلامي إلى مجده السابق. هذه الدعوة الروحية جمعت حولها الكثير من الناس الذين كانوا يبحثون عن بديل روحاني واجتماعي لواقعهم المرير.
- الشعور بالهوية الوطنية: استغل المهدي الشعور المتزايد لدى الشعب بالسودانية وانتماءه للهوية المحلية ضد الاستعمار الخارجي لحشد دعم واسع النطاق. أصبح شعار "الله أكبر!" رمزا للنضال ضد المستعمرين وبمثابة دعوة للإنتفاضة الوطنية الكبرى.
- التكتيكات العسكرية وحسن القيادة: رغم أنها ليست سبباً مباشراً للثورة ولكنها لعبت دورا مهماً في نجاح الحركة، فقد برهن الجيش المهدوي تحت قيادة عبد الله التعايشي وآخرون على قدرتهم العالية في تحقيق الانتصارات الناجحة والكبيرة حتى أمام القوات النظامية الفرنسية البريطانية المشتركة. وقد عزز ذلك عزيمة الثوار ونفذت المزيد منهم إلى صفوفهم.
هذه العوامل مجتمعة ساهمت بشكل كبير في اندلاع ثورة المهدي وما صاحبها من تغييرات عميقة تشكل صورة السودان الحديث اليوم.