تُحلق شهرة "أريحا"، الواقعة جنوب غربي الضفة الغربية قرب نهر الأردن والبحر الميت، فوق مساحات شاسعة من التاريخ البشري. تُعد هذه البلدة الجليلية الصغيرة واحدة من أقدم المستوطنات المعروفة للإنسان على وجه الأرض؛ فالقدماء قد اختاروا موقعها الاستراتيجي بين المرتفعات الشرقية الصحراوية والجبال الغربية المطلة مباشرة نحو نابلس وطولكرم. وقد اعتمد هذا الاختيار أساساً على خصوبة تربتها وغزارة مصادر المياه الطبيعية مما جعل منها مركزاً تجاري هامٍ طوال القرون العديدة التالية.

تعود جذور أصول تلك المدينة الآلهية لما يقارب العشرة آلاف سنة مضت حين كانت مجرد قرية بدائية صغيرة للحرفيين وصناع الأدوات الحجرية الأولى خلال عصر ما يعرف بالعصر الحجري القديم الأعلى، حيث تم اكتشاف العديد من أدوات وأسلحة العصر الحجري داخل حدود المنطقة اليوم. وشهد كل قرن منذ ذلك الوقت تطورات مهمة غيرت مصير البلدة وفقا للتغييرات السياسية والدينية والثقافية للمنطقة العربية المضطربة باستمرار. فعلى الرغم من كون فلسطين مهد الديانات الثلاث الرئيسة عالمياً ('الإسلام' و'النصرانية 'و' اليهودية') إلا إنها لم تكن محصنة ضد الفتوحات الخارجية سواء من الفرس أم الرومان أم الأموريين أم حتى البريطانيين لاحقا أثناء الانتداب المفروض عليهم عقب حرب ١٩١٨ والتي قادتهم بخيوط الخيانة البريطانية الشهيرة towards الدولة الصهيونية الحديثة بفلسطين المحتلة الآن. ولكن رغم جميع المعارك والتوترات الطائفية والحروب المرعبة التي مرت بها بلاد كنعان فإن مدينة اريحا ظلت شاهداً حيّا وباقيًا لعظمة تراث الإنسان البدائي وملتقى العصور المختلفة وعروضا موضع تقديس لكل أديان سماوية. فهي بذلك تستحق مكانها بجدارة وسط قائمة أشهر المواقع الأثرية حول العالم وتاريخها الغني بالأحداث يحكي الكثير من قصص الوطن الفلسطيني الجامحة والقوة الدائمة لشعب أحرار مازال يصطف بكل تصميم ولحمة مقاومة للاستيطان والإبادة الظالمتين بحقه بشكل يومي ويتشبث بشموخ أرض آبائه وأجداده مهما بلغ هول المأساة التي تحيط بهم.