عند استكشاف مفاهيم "الطبيعة" و"الثقافة" داخل إطار الفلسفة، تصبح هناك حاجة ملحة لفهم الروابط وفروقاتهما من منظور نظري وعلمي. يشير مفهوم الطبيعة عادةً إلى مجموعة واسعة من الظواهر الفيزيائية والمعيشية، بدءاً من الجبال حتى الغطاء النباتي الشامل للأرض، بالإضافة إلى خصائص الأفراد البشرية كالقدرة النفسية أو الاستقرار النفسي. وفقاً للنصوص القديمة، خاصة تلك المرتبطة باسمَيْ أفلاطون وأرسطو، قد تُعتبر "طبيعة الشيء" هي جوهره أو صفاته الداخلية. ومع ذلك، وفي بعض السياقات العلمية الحديثة، يمكن اعتبار الطبيعة أكثر ارتباطاً بالعالم الطبيعي الخالص، مستقلاً عن تأثير الإنسان عليه.
أما بالنسبة للثقافة، فهي ظاهرة بشرية فريدة تقوم على نقل التجارب والمعرفة عبر الزمن باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل التعلم والتقاليد. تحدد العديد من المدارس الفلسفية المختلفة جوانب الثقافة، بما في ذلك الفنون والمؤسسات الاجتماعية والقوانين والقيم الأخلاقية والأساطير الدينية. ويقدم كلود ليفي ستراوس وجهة نظر واضحة عندما يقسم التأثير الثقافي إلى قسمين رئيسيين: الأول يعكس الوراثة البيولوجية والإرث التاريخي للجنس البشري (وهذا الجزء يُعد جزءاً من "الطبيعة")، بينما الثاني يتضمن المهارات المكتسبة والمعارف التقنية التي تنفرد بها المجتمعات البشرية والتي تطورت بمرور الوقت نتيجة للتواصل والتبادل المعرفي (وهذه الأخيرة تعتبر جزءاً أساسياً من "الثقافة"). لذلك يمكن رؤية الثقافة كمستوى ثانٍ فوق مستوى الطبيعة، وهو المستوى الذي يفسر قدرة الإنسان على إعادة تشكيل وصقل البيئة واستخدام معرفته لتطور سلوكه الاجتماعي.
ومن الجدير بالملاحظة هنا دور عملية التمييز بين السلوك الطبيعي والثقافي حسب نظرية بليز باسلار، مؤسس علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية. فهو يعرِّف الثقافة بأنها تلك التركيبة المعقدة للسلوكيات البشرية القائمة على نظام تعليمي متطور يقابل فيه المرء خبراته الأولى بمجموعة قواعد اجتماعية مكتسبة أثناء نموه. لذا، فبينما يعد سلوك الحيوانات منعكساً وسريع الانتشار غالباً، فإن القدرات المعرفية للفكر البشري تسمح له بتكوين شبكات اتصال معقدة وبالتالي بناء ثقافته الخاصة به - مما يدفع الحدود نحو فهم شامل لكيفية توازن الطبيعة والثقافة في رحلتنا الإنسانية الطويلة والدقيقة.