على الرغم من أنه قد يبدو مبالغا فيه القول بأن شخصا ما "اختَـرَع" الرياضيات بشكل مباشر كما نفعل مع اختراع الأجهزة الحديثة مثل الكمبيوتر أو الهاتف المحمول, إلا أنها نشأت وتطورّت عبر العصور عبر مساهمة العديد من الثقافات والحضارات المختلفة حول العالم. يعود تاريخ الرياضيات إلى الحضارة البابلية القديمة حوالي عام 1800 قبل الميلاد، الذين طوروا نظام العد الستيني وأعطوا قيمة لرقمي الصفر والعشر.
في مصر القديمة، ابتكر المصريون القدماء النسبية بين الجوانب وبعضها البعض التي تعتبر أساس الهندسة اليوم. ونشروا أيضًا استخدام النظام السداسي عشر (الأساس ستة) والذي استخدموه لحساب المساحات والمجالات داخل المباني والمعابد الضخمة. وفي الصين خلال نفس الفترة تقريباً، قام رياضيون مثل زو كونغ وجو تشي بإبداع جداول حساب المثلثات ومعادلات خطوط مستقيمة متوازية ومتعامدة.
وفي اليونان القديمة، كان هناك ثورة هائلة في مجال الرياضيات بفضل علماء كبار مثل طاليس وفيرمانس وبيريكليس والإقليدس وغيرهم كثيرين. قدم الإقليدس مجموعة من المقترحات والقواعد المنطقية تسمى بالألفاظ 'الأقليديات' والتي أصبحت العمود الفقري للرياضيات حتى وقت حديث نسبياً. أما في الهند، فقد ساهم عالم الرياضيات الشهير براهمغوبتا في تطوير علم الجبر والكسر العشريني بالإضافة لتقديمه نظرية تعلق بسلوك مجموع المصطلحات الموجبة والسلبية عند الوصول لقوة أعلى مما كانت معروفة سابقاً لدى الغربيين آنذاك.
وسط كل هذه التقدم والتقاليد العلمية المتنوعة والأجيال المتعاقبة من العلماء الذين عملوا بصمت خلف الأقلام والأوراق؛ يمكن اعتبار جميع هؤلاء الرواد كمكتشفين ومبتكرين للرياضيات حسب منظور مختلف قليلا عما اعتدناه فيما يخص الاختراعات التقنية المعاصرة. لكن ضمن هذا السياق الواسع للمفهوم العام لإنجاز التاريخ الإنساني المشترك في مجاله المعرفي الرائد - الرياضيات - يبقى التأثير الفردي لكل منهم واضحا ويمكن تتبع دوره المحدد بدقة أكثر بما يساهم بالنظر لما بعد مجرد وصف بسيط لمؤلفاته النظرية المجردة أمام ورقتنا البحثية الحالية هنا!
