في رحاب التاريخ الإنساني المترامي الأطراف، تتجلى مظاهر التنوع الثقافي والحضاري بشكل لافت للنظر. هذا التنوع ليس مجرد اختلاف ظاهري بين الشعوب والأوطان فحسب، بل هو انعكاس عميق لتنوع الخبرات والتقاليد والمعتقدات التي شكلتها البيئات المختلفة والمراحل الزمنية المتغيرة. إن فهم هذه المظاهر يساعدنا على تقدير الغنى الفكري والثقافي للإنسانية جمعاء.
ينبع التنوع الثقافي أساساً من الاختلافات الجغرافية والبيئية. فالبلدان الواقعة بالقرب من خط الاستواء مثل أفريقيا وغواتيمالا تميل إلى الارتباط بثقافة زراعية وتجارية مباشرة مع الطبيعة. بينما قد يميل سكان المناطق القاسية كألاسكا وأيسلندا نحو ثقافات أكثر مرونة واعتماداً على الصيد واستخراج الموارد البرية والبحرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المناخ يلعب دوراً مؤثراً أيضاً؛ فقد أثرت الصحارى الحارة، مثل تلك الموجودة في مصر والسعودية، في تشكيل عادات اجتماعية واقتصادية فريدة للمقيمين فيها.
كما تأثر التنوع بالحركات البشرية عبر التاريخ. لقد أدى هجرة الناس عبر القرون إلى خلط العناصر الثقافية وبالتالي خلق مزيج متعدد الثقافات داخل الدول الحديثة. مثال حي على ذلك يمكن مشاهدته في الولايات المتحدة الأمريكية حيث اندمجت العديد من الأعراق والأصول القومية لتكوين بوتقة تنصهر فيها الأفكار والقيم العالمية المحلية معا.
وفي الجانب الديني، يشكل الدين أحد أهم عوامل التنوع الثقافي عالمياً. تتمتع كل ديانة برمزيتها الخاصة وتعاليمها ومعتقداتها التي تساهم في صياغة التفكير الأخلاقي والعادات اليومية للأتباع. الإسلام مثلاً، وهو ثاني أكبر دين في العالم بعد المسيحية، له تأثير كبير على مجتمعاته بما في ذلك في مجالات السياسة والقانون والشريعة. أما الهندوسية فهي جزء أساسي من الحياة اليومية لأكثر من مليار شخص حول الكوكب، وقد تطورت لتكون نظام فلسفي واجتماعي وجامعي يحكم حياة المؤمنين بطرق متنوعة ومفصلة للغاية.
إن دراسة التراث الفنّي لكل حضارة هي أيضًا طريق لفهم كيف ينعكس هذا التنوع. بدءً من فن الكهوف القديم للفنانين الأمويين وانتهاء بالأعمال المعاصرة للمبدعين العرب الحديثين، يُظهر الفن جانباً آخر مهمّاً من التواشج بين الطابع الشخصي والإقليمي للشعوب المختلفة وكيف تعكس أعمال الفنانين بيئتهم وثقافتهم الأصلية بصوّر إبداعيّة رائعة.
ومن اللافت للنظر أنه رغم كل هذا التنوع الشديد، إلا أن الإنسانية تجمعها قواسم مشتركة كثيرة أيضاً. فهناك رغبة عامة مشتركة لدى الجميع بالسعادة والاستقرار والصحة والعيش بكرامة ورعاية القيم الأساسية للجماعة بما يعزز روابط المجتمعات ويحفز العمل المؤسسي المشترك لحماية حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة عالميًا بغض النظر عن الانتماء الفردي أو الجمعي الخاص بكل مستقل عن الآخر مهما اختلف عقيدة أو ثقافة أو موطن..فهذه الروابط غير المرئية والتي تربط قلوب جميع الشعوب تحت سقف واحد كالأرض الواحدة بالإنسانية الرحيبة كما وصفها القرآن الكريم:"وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ". [١]
إن التعرف على هذه المظاهر الغنية للتعدديهِ الثقافية والفكرية يعد خطوة أولى حيوية لإرساء السلام العالمي واحترام مختلف أشكال الهويات وتجنب النظرة الأحادية الضيقة للعالم مما يساهم بإذن الله بانشاء مجتمعات سلمية ومتعاونة قائمة عل الاحترام المتبادل للقيمة الذاتيه لكل فرد وعالمه الداخلي بما يسمح باستمراريةالحياة الاجتماعية والاقتصادية المثمرة . إنه برنامج ضروري لبناء جسور التواصل والتفاعل الإيجابي فيما بين أبناء الأرض كافة نحو بناء مستقبل أفضل للجميع بلا استثناءات ولا فروقات مزمنة...