تقع مدينة سلا المغربية الجميلة على ضفاف نهر أبي رقراق، وهي تشكل جزءاً أساسياً من التاريخ والديناميكية الثقافية للمغرب منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا. يعود أصل المدينة إلى القرن الثامن الميلادي، عندما كان موقعها الاستراتيجي نقطة جذب للاستيطان البشري نظرًا لخصوبتها وسواحلها المترامية التي أتاحت التجارة البحرية النابضة بالحياة.
خلال فترة الدولة الإدريسية (818 - 974 م) ازدهرت سلا كمركز تجاري مهم، وذلك بفضل مكانتها الوسطى بين القارتين الأفريقية والأوروبية. وقد حافظت على دورها الحاسم كمرفأ بحري رئيسي خلال العصر الموحدي والإدريسي أيضًا. ومع ذلك، فإن عصر الدولة المرينية يعد واحداً من أكثر الفترات شهرة لسلا بسبب بناء حكام هذه الفترة لحصن قوي هناك أسماه "الرباط"، والذي تحول لاحقًا إلى العاصمة الرئيسية للدولة المرينية قبل انتقال مركز الحكم مرة أخرى إلى فاس.
كان للقرنين الخامس عشر والسادس عشر تأثير كبير على نمو المدينة وازدهارها، خاصة مع مجيء البرتغاليين الذين حاولوا السيطرة عليها لكن تم طردهم بواسطة السلطان أبو عبدالله محمد الشيخ سنة 1515 ميلادية. بعد هذا الانتصار، استمرت سلا في لعب دور بارز في التجارة البحرية والعسكرية تحت حكم أولاد علي وأولاد عرفة، حيث كانت ميناءً حيويًا للتبادل التجاري والقاعدة الخلفية للقوات العسكرية المحلية والخارجية.
في العصر الحديث، شهدت سلا تطورات كبيرة جعلتها واحدة من أهم المدن الصناعية والتجارية بالمملكة المغربية. فهي تضم العديد من المصانع ومراكز الخدمات اللوجستية بالإضافة إلى كونها وجهة ساحلية مشهورة للسياحة الداخلية والخارجية. كما تتمتع بثراء ثقافي غني يظهر في معالمها التاريخية مثل القصبة والحمامات الرومانية وجامع سيدي عبد الرحمان الزيتوني الكبير الذي يعد شاهداً على الطابع الديني الغني للمدينة.
وعلى الرغم من تحدياتها الحضرية المعاصرة، تبقى سلا رمزا لتاريخ المغرب وثرائه الثقافي وإرثه الإنساني الواسع المدى، مما يجعلها تستحق الاهتمام البالغ بكل ما هو جديد فيها وفي تراثها العتيق.