ولد العالم والفيلسوف الإسلامي الكبير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي في الثانية عشرة من شهر محرم عام 1307 هجرية الموافق للسابع من سبتمبر سنة 1889 ميلادية في بلدة عنيزة الواقعة ضمن منطقة القصيم السعودية. نشأ الراحل - رحمه الله - يتيم الوالدين ولكنه تميز بحظه الطيب في التربية منذ نعومة أظفاره فقد حفظ كتاب الله عز وجل وحقق إنجازات مبكرة جعلته متخصصاً ذا موهبة نادرة قبل أوائل شبابه.
كان للسعدي بصمة واضحة في ميدان الفقه وأصول التشريع، إذ برع فيهما رغم انتمائه المبكر لمدرسة فقهاء الحنابلة الذين درَّسوْه وتعاهدوا معه خلال سنوات دراسته الأولى. لكن اهتماماته توسعت فيما بعد لتضم نهج مدرسة أبي إسحاق إبراهيم بن تيمية الحراني الشهيرة التي أثرت رؤيته للأصول الدينية عامةً والتفسير خاصةً عبر معرفته المتخصصة بمبادئ توحيد الله سبحانه وتعالى والإقرار بشرعه المطهر.
على الرغم من انجراف ميوله نحو مدارس فقهية مختلفة حول أسسه العقائدية والمعاملات اليومية إلا أنه ظل محافظًا أثناء دحض أدلة حكمه القانوني واستناداته النظرية على القواعد المرسخة لدى المؤسسات التدريسية التقليدية لحنابلة تلك الفترة الزمنية منتقدا إيّاهاتخذها البعض غطاء لإصدار أحكام شخصية مخالفة للشريعة الإسلامية. وعلى أكثر تقديرا فإن أغلب كتبه البالغ عددها حوالي سبعين مؤلفاً تخلو من اتباع تعاليم مذهبين بالخصوص مما يشكل دليل واضح على حياده وتنوع آرائه المستمدة أساسا من منابع الدين النقية وليس أقلية فرعى فقط .
لم يغب فضل الشيخ السعدى ومواهبه المرتبطة بالتفسير عن ناظرين حين وضع نصب عينيه مشروع حياته الأكبر المتمثل فى تأليف موسوعة جديدة بعنوان" تيسير الكريم الرحمان فی تفیسر کلمات الخیّرین"، والتي استغرقت ثلاث أعوام مثمرة لبحوث وثمار عظيمة حقق فيها هدف عرض بساط شامل لفائدة عامة الناس بطريقة مباشرة وبسيطة غير مغلفة بكثير من الشروح والمجاميع الثقيلة المخيفة لذلك النوع الأدبي الغني والمحترم عرفانا منه برسالة ربانية نبيلة تتمثل فى الوصول للعقول بعيدا عن مجرد نقل النصوص الأدبية بدون فهم عميق لأبعاد كل جزئية تحويها صفحات الوحي المحمدي القدسية.
وقد بلغ عمر المفكر المغوار اثنتيين وستينا عاما عندما اختاره القدر المحتوم يوم الأربعاء الموافق الرابع والعشرون من فبرايرلعام ۱۹۶۶ ميلادي وهكذا قضى آخر أيام حياته المباركة وسط اهتمام زوجته وابناءه المقربين بوطنهم الأم المملكة العربية السعودية تحديدًا بمدينة عنيزة التاريخية ليخلّد ذكراه كإمام جزيل العلم والحكمة بين أهل وطنه وخارج حدود الوطن نفسه بإرث ثقافي جاذب لكافة طوائف البشرية المختلفة ثقافاتها ولغات تعبيرها الدقيقة والواسعة المنشرة حول العامر الأرض كافة وما زالت رسائل دعوتنا وصلواتنا مستمرة له رفقة شهداء المؤمنين الأخيار تحت ظلال سرج سيد البرية محمد المصطفى صلى وأنزل صلاة التسليم عليه وسلم عليه وسلم....آمين يا رب العالمين .