الزئبق، العنصر الذي يحمل الرقم الذري 80 على جدول الدوري للعناصر، هو معدن ذو طبيعة فريدة ومميزة. يتميز بلون فضي لامع وهو موجود بشكل طبيعي في عدة أشكال مختلفة ضمن الأرض. رغم سمية عالية، إلا أن وجوده الطبيعي في شكل يسمى "السينابار"، والذي هو أساسياً كبريتيد الزئبق، جعل منه موردًا مهمًا لصناعة المواد الكيميائية والطب القديم.
السينابار، والمعروف أيضاً باسم الرصاص الأحمر بسبب لونه الغامق، يعد المصدر الرئيسي للزئبق للاستخراج. عملية الاستخراج تتم عادة عبر تعدين المناطق تحت الأرض حيث يمكن العثور على هذه الرواسب. ومع ذلك، فإن كميات الزئبق التي تستخرج منها تكون قليلة نسبياً - حوالي 1% فقط من الوزن الإجمالي للسينابار. لذلك، تتطلب عملية الاستخراج تقنيات متخصصة لتكرير وتحويلها إلى زئبق نقي.
أحد طرق التنقية الرئيسية تشمل تسخين الخام حتى يصل إلى درجات حرارة قريبة من 580 درجة مئوية في حضور الأكسجين. ينتج عن ذلك إطلاق البخار الزئبيقة من الخام ويعالج بعد ذلك لإزالة ثاني أكسيد الكبريت. ثم يتم تكثيف هذا البخار مرة أخرى وترطيبه بمادة حمضية مثل حمض النيتريك قبل تجفيفه بواسطة الترسيب والتقطير.
هناك أيضا طريقة بديلة تعتمد على حلول كيميائية مثل الهيدروكسيد والصودا وكبريتيد الصوديوم لتحضير الزئبق. تبدو هذه العملية أكثر تعقيدا ومكلفا لأنها قد تحتاج إلى خطوات إضافية مثل الترسيب بالألومنيوم أو التحليل الكهربي.
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الزئبق تشكيل سبائك مع عدة معادن أخرى بما فيها الذهب والفضة والزنك والكاديوم والتي تعرف باسم الأمالجامات. هذه السبيكة لها دور هام في مجال استخلاص الذهب من عروق الصخور، عندما يتم إذابة الذهب داخل الزئبق ويتحولان معاً إلى حالة سائلة، ويمكن فصل الذهب لاحقا عن طريق التجفيف بالتقطير.
على الجانب الآخر من العملة، تاريخيا كان الزئبق مستخدماً بكثير فيما يتعلق بالعلاج الطبي حتى علم الناس بتأثيراتها الضارة الخطيرة. اليوم، نظراً لسميته الشديدة، أصبح التعامل معه مطلوباً وفق إجراءات سلامة خاصة لمنع أي ضرر محتمل للإنسان أو البيئة.
في الواقع، الزئبق ليس مجرد معدن غير قابل للتآكل في الظروف الجوية المناسبة ولكنه أيضًا واحد من أندر المعادن الموجودة على سطح الأرض بنسبة تبلغ نحو جزء لكل مليار مليون جزء من كتلة الأرض كلها!
