يُعدّ العالم الاجتماعي والفيلسوف الإسلامي الكبير، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، أحد رواد الفكر الإنساني الذين تناولوا التربية بمختلف جوانبها نظرياً وتطبيقياً. يعتبر كتاب "المقدمة" لبن خلدون موسوعةً شاملةً لعلم الاجتماع والدولة والعمران البشري، ويبرز فيه رؤية فريدة للتربية كركيزة أساسية لتكوين مجتمع سليم ومتماسك.

يرى ابن خلدون أن التربية ليست مجرد عملية نقل المعرفة للمعارف المكتسبة فحسب، بل هي أيضًا تهذيب للنفس البشرية وتنميتها نحو الصفات الحميدة التي تؤهل الأفراد للمشاركة المثمرة في بناء مجتمعات قوية ومسلمة. يركز نهجه التربوي على تنمية عدة محاور رئيسية تشكل الأساس لأي نظام تربوي ناجح:

1. التنشئة الدينية والأخلاقية: يؤكد ابن خلدون أهمية تعزيز القيم الإسلامية الأخلاقية والمبادئ الروحية لدى الأجيال الناشئة. فهو يقترح دمج التعليم الديني مع العلوم الأخرى لتحصين النفوس ضد الانحراف وضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية الإسلامية.

1. التعليم العملي والتطبيقي: وعلى خلاف النظرة التقليدية للتدريس النظرية فقط، يشجع ابن خلدون على ممارسة الطلاب لما يتم تدريسه عمليا مما يعزز فهمهم للأحداث الواقعية ويتيح لهم تطبيق ما تعلموه بشكل مفيد ومباشر.

1. تبني التفكير النقدي والإبداع: يدعم ابن خلدون مساعدة الطلاب على تطوير مهارات تفكير نقدي حر وإبداعي حيث يمكنهم مواجهة تحديات الحياة بطرق مبتكرة وصائبة مستندة إلى العلم الشرعي والحكمة العملية.

1. البناء الجماعي والشعور الجمعي: يسعى ابن خلدون لنشر الشعور بالانتماء الوطني والقومي بين المسلمين عبر التركيز على تاريخ الأمّة مجدهم وحضارتهم القديمة بالإضافة إلى تثقيفهم حول دورهم وأعمال الخير المتوقعة منهم كمواطنين صالحين ملتزمين بدينهم ووطنهم.

1. تعزيز العلاقات الاجتماعية الإيجابية: أخيرا وليس آخرا، فإن منظومة تربيتة ابن الخلدونية تسعى أيضا لإعداد أفراد قادرين على خلق علاقات اجتماعية متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والثقة واحتساب المصالح العامة قبل الخاصة لتحقيق رفاهية الجميع داخل حدود الدولة المسلمة الواحدة الموحدة تحت راية الدين والخلق الرفيع الذي علمته المدارس الأسرية والجماعات المحلية منذ سن مبكرة.

ومن خلال هذا النهج الشامل الذي طوره ابن خلدون فيما يتعلق بمنهجه التربوي قد قدم لنا خطوطا رفيعة لفهم أفضل لكيفية إعداد شباب صحاح العقيدة والصالحين بالأفعال وذلك لصالح قضية الحفاظ وبناء أمجاد الامة الاسلامية للعصور المقبلة بإذن الله تعالى .