في عام 195 هـ، شرع الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، أحد أبرز علماء الإسلام وأحد الأئمة الأربعة المشهورين في الفقه، في رحلة علمية إلى بغداد. هذه الرحلة كانت محطة مهمة في حياة الإمام الشافعي، حيث التقى فيها بالعديد من العلماء ودرس على أيديهم، مما أثر بشكل كبير على تطور مذهبه الفقهي.

عند وصوله إلى بغداد، زار الإمام الشافعي قبر الإمام أبي حنيفة، أحد أبرز علماء المذهب الحنفي، مما يعكس احترامه وتقديره لعلماء الإسلام الآخرين. خلال إقامته في بغداد، قام الإمام الشافعي بتأليف كتابين مهمين: "الرسالة" و"المبسوط". "الرسالة" كانت عملًا فريدًا في أصول الفقه، حيث تناولت موضوعات لم يتم تناولها من قبل، بينما "المبسوط" كان شرحًا تفصيليًا للتفاصيل الفقهية.

اشتهر هذان الكتابان باسم "الكتب البغدادية"، وتم روايتهما من قبل تلميذ الإمام الشافعي الذكي الحسين بن محمد الصباح الزعفراني. هذه المجموعة من الكتب، بما في ذلك "الأم"، لا تزال مستخدمة حتى يومنا هذا.

في بغداد، عمل الإمام الشافعي على تطوير أول مذهب له، والذي تأثر بتعاليم الإمامين أبي حنيفة ومالك. عرف هذا المذهب باسم "المذهب القديم للإمام الشافعي" أو "المدرسة القديمة للشافعي".

ومع ذلك، لم تدم إقامة الإمام الشافعي في بغداد طويلاً. أجبره المرض على التوقف عن التدريس والتقاعد. وفي نهاية حياته، اشتد به المرض، لكنه ظل محاطًا بالعلماء حتى آخر أيامه. توفي الإمام الشافعي في 820م، في يوم الجمعة من شهر رجب، عن عمر 54 عامًا، ودفن في القاهرة، مصر.

الإمام الشافعي، الذي ينتمي إلى قبيلة قريش بنو مطلب، كان له صلة قرابة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولد في مدينة غزة في فلسطين عام 767م، وفقد والده منذ الطفولة. انتقلت والدته إلى مكة مع أقاربها لتعليم ابنها، حيث نشأ وترعرع في التعليم الديني في مكة والمدينة المنورة.

رحلة الإمام الشافعي إلى بغداد كانت نقطة تحول في حياته العلمية، حيث أثرت بشكل كبير على تطور مذهبه الفقهي وأسهمت في انتشاره بين العلماء والفقهاء.