تتصدر جامعة القرويين المشهد التاريخي للأوساط الأكاديمية باعتبارها أقدم مؤسسة جامعية في العالم، يعود إنشاؤها إلى العام 859 ميلادياً في قلب المدينة النابضة بالحياة بفاس بالمغرب. وتتميز تلك التحفة العمرانية التي تجاوز عمرها الحافل بالإرث الثقافي والإبداع العلمي حاجز الألف عام بتنوع واسع ومتطور للعلوم والمعارف منذ نشوئها خلال عصر الدولة الأموية الأولى وانتهاءً بمشاركتها بنشر العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء بالإضافة للغه الأجنبية لاحقًا.
وتعود جذور تأسيس هذه الجوهرة المعرفية إلى مبادرات كريمة لإحدى الروادات المجهولات، "فاطمة الفهري" المتعددة المواهب والتراث المحافظ على تراث أسلافها، فقد كانت إحدى بنات لمجتمع تونسي ثقافي مؤثر انتقل للسكن بين أحضان العاصمة الإدارية للعصر الإسلامي آنذاك - المدينة الحمراء - فأجادت برعاية مشاريع اجتماعية ذات غرض نبيل كالمدارس المساجد الخيريّة. وظفرت بالتالي بمنصب دور أمومتها المستقبلية للإنسان والعلم جنباً إلى جنب بشخصيتها العملاقة العديمة الشبيهين في تألق أعمال الخير الإنساني وخاصة التعليم الشعبي الموجه لكل أبناء البيئة الاجتماعية الواسعة مما أدى لتحقيق حلم المنظمة العالمية للتطوير التربوي لفترة طويلة بما يكفل تحقيق نجاحات ملهمة للحاضر والمستقبليات كذلك.
وبمرور الزمان، تحولت المكتبة المعروفة باسم "القرويون"، نسبة لسابق موطنها تونس، إلى مصنع حقيقي للإنجازات العلمية والفكرية الفذة لأجيال عديدة؛ إذ كان تركيز النهار الأول نحو تطوير قدرات طلابه الراغبين بجني مهارات الدين والقانون والشريعة الإسلامية قبل مواصلة منظومة موسوعة شاملة تتضمن مباحث علوم الرياضيات وفن الموسيقى والصحة العامة وصف الحديث وأخريات بناءً عل هيكلها الأكاديمي التقليداني باستحضاره مدى أتاحاته المباركة أمام منتقديه ونقاد عصره مستندًا لقوة عقيدته ودينه. لكن مع مطلع قرن جديد ظهر محوّل تغير ملحوظ باتجاه دولتي فرنسا وإسبانيا الاستعمارية الفرنسية المصاحبة لهجوم كاسح تجلى جهارة واضحة بخروج التعليم الخاص والأولي المنتظم خارج نطاق المملكة المغربية صحبة تقدم الدول المهجنة حديثاً علميًا واقتصاديًا وسياسيًا أيضًا مما سبب تباطؤ دينامية جذب اهتمام الطلبة سواء المقيميـن داخل حدود البلاد نفسها ومعتنقي ديانات أخرى أيضا ممن ينتمون لبختلف المناطق الجغرافية لمنطقة شمال إفريقيا وبالتحديد الشرق الآسيوي مسلميه وكذلك بعض سكان شرق البر الرئيس الأوروبي رغم انتشار نموذج مشابه لها بكافة أصقاع الأرض بلا خفاء ولكن بوتيرة بطيئة للغاية حسب تعداد عام ١٩٥٧.
وفي النهاية فإن لهذه الثورة التعليمية المدينية القديمة وقع خاص جدًا لدى كافة الأفراد المؤمنين بحتمية ضرورتها وحقيقة اختراع مثل هذه التصورات السباقة كون اندثار وجود مثل منابر انتقال معرفة بهاذه القدر من الأعوام هو امر غير قابل للحصول عليه مرة اخرى مهما بلغ حجم العقبات الاقتصادية أو السياسية وستظل علامة فارقة ظاهرة تستحق الوقفات التأمل فيها تقديرا وصونا لذاكرتها الخالدة .