ابن بطوطة، الرحالة المسلم الشهير، ترك بصمة لا تُمحى في التاريخ عبر كتاباته الأكثر شهرة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". يعد هذا العمل موسوعة سفر نادرة تستعرض مساعيه واستكشافاته الواسعة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وآسيا وأفريقيا.
يتضمن الكتاب مجموعة واسعة ومتنوعة من التفاصيل الحيوية حول الثقافات والحكومات والحياة اليومية خلال الفترة الزمنية المضطربة لكن الغنية بالمغامرات التي عاشها ابن بطوطة. يُقدم لنا نظرة فريدة داخل مجتمعات متعددة بدءاً من شرق أفريقيا وحتى جزر المالديف مروراً بالقارة الآسيوية وشبه الجزيرة العربية. يعكس أسلوبه الوصفي الفريد وصراحة مشاعره الشخصية جوهر التجربة الإنسانية بشكل صادق ومثير للإعجاب.
ومن أشهر محطاته الاستكشافية هي تلك المرتبطة بـالصين؛ فعلى الرغم مما لاقاه من تحديات ومعوقات إلا أنه خرج بتقييم عميق لعاداتها المحلية ودور الفنون والصناعة التقليدية خاصة فيما يتعلق بالخزف ذائع الصيت والذي أصبح رمزاً استثنائياً لتاريخ بثرائه الفني. كما سلط الضوء على نظام السجل المركزي للأجانب المقيمين والتجار الذين ينقلون رسائل الرسم البياني لهؤلاء الأشخاص كتكتيك فعال لإدارة الأمن العام وفق فهمه للعوائق القانونية حين ذاك.
وفي العاصمة المصرية القاهرة ذات الطابع المتعدد الأعراق، قدم حسابات مثيرة للاهتمام حول هيكل السكان ونقاط القوة الاقتصادية للمدينة حيث يشابه مشهد المدينة المكتظة بالحركة حركة أمواج البحار الهادرة حسب وصفه الدقيق لحركتها وانسيابتها العمرانية المستمرة. رغم كثافة سكانه الذي قدر تقريبًا بنحو تسعة مليون ساكن آنذاك - وهو رقم كبير بحسب المعايير العالمية لذلك العهد - ظلت مصر مركز قوة سياسي واجتماعي مؤثر يستحق دراسة معمقة بناء على شهادات مثل ابن بطوطة المؤثرة وغيرها من الأدلة التاريخية الأخرى القيمة الأخرى توثيقا لجوانب مختلفة للحياة المصرية القديمة.
إن شهادة ابن بطوط مستمدّة حقاً من قلبه ومن عقله أيضا إذ يحكي قصصه بكل صدق وبلاغة، فلقد كتب بخبرة مؤرخ أكاديمي ومعرفة مغامر بريء القلب الأمر الذي جعله واحدًا من أكثر المؤلفات شموليتها وإلهاماً للسفر والاستكشاف لفترة طويلة بعد وفاته.