يعود تسمية مضيق جبل طارق قديماً إلى "أعمدة هرقل"، نسبةً إلى أساطير الإغريق حول الإله هراclkles (هرقل). وقد شاعت هذه التسمية بسبب وجود نتوءات صخرية كبيرة محاذية للمضيق عند مدخله الشرقي، مما أدى إلى ظن الرومان والإغريق بأن هذه الأعمدة هي حدود العالم المعروف آنذاك. وبذلك أصبح مصطلح "أعمدة هرقل" رمزاً لحدود العالم القديم بما فيه بحر الظلمات ومجهولاته. تعكس هذه الأسطورة الرؤية القديمة للعالم وحلم الرحالة باستكشاف أبعد آفاقه.
مع مطلع القرن الثامن الميلادي، تغير مصير هذا الممر البحري المهم عندما عبر الأمير الفاتح المسلم طارق بن زياد هذه المياه الضيقة سنة ١١٧هـ / ٧١۱م. بعد تلك الحادثة البارزة، بدأت تنتشر تسمية جديدة مرتبطة بشخصية البطلة ذات التأثير الكبير في التاريخ العربي والعالمي، فأصبح يعرف كما هو معروف حاليًا باسم "مضيق جبل طارق". إن عملية التحول الدلالي لهذه التسمية تجسد جزءًا من الفصل العظيم لتاريخ البشرية حين انتقلت حضارات وروافد ثقافية مختلفة تحت تأثير قوة عزيمة الرجال وصمودهم أمام تحديات الزمن.
إن موقع مضيق جبل طارق الإستراتيجي جعل منه جسراً بحريًا حيوياً لطرق التجارة والسفر منذ القدم، إذ يرتبط مباشرة بين مياه البحر المتوسط والأطلسي. متوسط عرضه تقريبًا ثلاثون كيلومتراً فقط، مما يعكس طبيعة خصائصه الطبيعية النادرة وسط مساحة واسعة من الصحراء والجبال التي تحيط به شمالا وجنوبا. اليوم يعد وجهة جذابة للسياحة البيئية بفضل الحياة البرية والفريدة مثل أغنام البر والبوم الحريري المنتشرة بكثافة داخل منطقة الغابات المطيرة الواسعة المحمية عالمياً والمعروفة لدى السكان المحليين باسم "محمية قطاع بارشامينا". إضافة لذلك فإن كهوف تضاريسها شديدة الانحدار تقدم منظراً خلاباً يجذب عشاق المغامرات والاستكشاف العميق لحضارات ماضية تركت بصمة واضحة لأجيال قادمة لاستشفاف حكايات الماضي المشوق.