في ظل التحولات التاريخية للأمم والحضارات، برزت دولتان لعبتا دوراً حاسماً في تشكيل المشهد السياسي والثقافي لمنطقة الشرق الأوسط خلال القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي. هما الدولة العباسية، التي مثلت القوة الدينية والفكرية للإسلام السني، والدولة السلجوقية التي ظلت رمزاً للقوة العسكرية والسياسة. هذه الدراسة تستعرض العلاقات المتشابكة بين هذين العملاقين وكيف أثرت كل منهما على الأخرى.
بدأت قصة الدولتين مع نهاية القرن الرابع الهجري/الحادي عشر ميلادي، حيث بدأت الدولة البويهية بفقدان مكانتها وسط اضطرابات داخلية وخارجية. بينما كانت الدولة العباسية تعاني من التأثير الكبير للدولة البويهية وتراجع نفوذها في العراق، جاء ظهور الدولة السلجوقية لتغير مجرى الأحداث. قاد السلطان طغرلبك، المعروف بحكمته وبراعته العسكرية، حركة توحد باقي قادة قبائل السلاجقة تحت راية واحدة، ليصبح بذلك مؤسس الدولة السلجوقية الحديثة.
وفي العام 447 هجرية الموافق لسنة 1055 ميلادية، قامت القوات السلجوقية بغزو العاصمة العراقية بغداد، مما أدى إلى سقوط حكم آل بويه نهائياً. أتاحت هذه الانتصار فرصة نادرة للدولة العباسية لاستعادة بعض استقلاليتها وتحقيق الاستقرار الداخلي. لقد كان موقف طغرلبك تجاه الخلافة العباسية واضحاً، إذ عبر عن دعم مطلق لها ضد أي تأثير خارجي أو داخلي آخر.
أثمرت علاقة الصداقة المتنامية بين الطرفين بزواج دبلوماسي مهم؛ حيث اتحفت ابنة أخ السلطان طغرلبك إلى الخليفة القائم بالله عباسي وابن الأخير تزوج بابنة طغرلبك. رغم أنها فترة قصيرة نسبياً قبل وفاة طغرلبك في العام 455 هجرية/1062 ميلادية، إلا أنها تركت بصمة كبيرة على تاريخ المنطقة.
بعد رحيل طغرلبك، واصل خلفاؤه سياسة النمو والإصلاحات التعليمية مثل بناء مدارس "النظاميات" الشهيرة بمبادرات نظام الملك الوزاري البارز آنذاك. ومع ذلك فإن التوسعات الإقليمية والاستراتيجيات الجديدة فرضتها الظروف الخارجية أكثر مما هي نتيجة لرؤية طويلة المدى ضمن الإدارة المركزية للسلاجقة.
بالإضافة إلى الانخراط في السياسة المحلية، عمل الجيش السلجوقي بشكل فعال في نشر وتعزيز المذهب السني مقابل الضغط الزائد والممارسات غير المرغوب فيها المرتبطة بتيار التشيع والذي غدا مظهراً مهيمناً أثناء الحكم البويهي السابق. ومن ثم يمكن اعتبار انتصارات السلاجقة ليس فقط انتصارات عسكرية ولكن أيضا دينيا وثقافيا.
في النهاية نجد أنه رغم الاختلاف التاريخي القصيري نسبيًا بين الحكومتين, فقد خلقت تلك الحقبة نقطة تحول رئيسية مؤثرة لكل من المجتمعات السياسية والدينية وما يليهما من أحداث لاحقة والتي شكلت أساس ما نعرفه الآن بالحاضر العربي والإسلامي الحالي عالميًا .