يبرز عالم العرب المخضرم أبو علي الحسن بن الهيثم كواحدٍ من أبرز العلماء الذين تركوا بصمة واضحة في مجالات علمية متعددة خلال القرن الرابع الهجري الخامس الميلادي. يلقب "ابن الهيثم" بلقب "أبو الفيزياء التجريبية"، نظراً لإسهاماته الرائدة التي مهدت الطريق لتطور العديد من المجالات العلمية بعد قرون طويلة من وفاته.
من أهم اكتشافات هذا العالم المتميز دراسته المتعمقة للضوء وخصائصه؛ فقد وضع أسس مفهوم الانكسار والانعكاس، وساهم بشكل كبير بتحسين فهم عملية الرؤية البشرية. كتابه الشهير "المناظر" يعد مرجعاً أساسياً في هذا المجال، حيث شرح فيه نظريات حول العين وكيفية عملها وما يسمى الآن بمبدأ شبكية العين. كما قدم تفسيرات دقيقة لكيفية انتقال الضوء عبر الوسائط المختلفة، وتوقع بعض خصائص الموجات الكهرومغناطيسية قبل اختراعها بكثير.
ولم تقتصر إسهامات ابن الهيثم على مجال الضوء فقط، بل تعدتها إلى الهندسة والفلك أيضاً. طور تقنيات مبتكرة لحساب المساحات والأشكال المعقدة، مستخدماً الطرق الرياضية المبنية على المنطق الدقيق والتحليل الجيد للمشكلات. أما في الفلك، فقام بدراسات عميقة لمجرى النيل وأسباب تغيُّرِ مستوى مياهِه، بالإضافة لعمل بحوثٍ واسعة بشأن حركة الشمس والقمر والكواكب الأخرى، مؤكداً بذلك على طبيعتها الكروية ودوران الأرض حول محورها.
في مجالات أخرى مثل الصيدلة والتطبيقات العملية للحياة اليومية، أثبت ابن الهيثم براعته بإحداث تحسينات كبيرة بغرض تطوير الأدوات والمعدات المستخدمة آنذاك. فعلى سبيل المثال، ابتكر آلات طبية لمعالجة المياه والأدوات الزراعية لتحسين إنتاج المحاصيل الغذائية. كل هذه الابتكارات تشهد على قدرته الاستثنائية باختراق حدود معرفته وتحويل الأفكار النظرية إلى حلول واقعية.
إن ثراء الحياة العلمية لبابلي Optics الكبير تجسد في تنوع اهتماماته وشغفه بالملاحظة والدقة والاستنتاج العقلي القويم، مما جعل منه رمزا للأبحاث المستندة إلى البرهنة العلمية الحديثة واستئناس التجارب التطبيقية الواقعية. ظل تراثه الحيوي مصدر إلهام لعقود عديدة لاحقة، وكان له تأثير مباشر في تقدم العلوم الغربية خصوصا خلال النهضة الأوروبية منذ القرون الوسطى حتى عصر التنوير الحديث. إن ذكر اسم ابن الهيثم يحي ذكري عبقرية استثنائية أضاءت طريق الحقائق العلمية لنا جميعا.
