كانت الحضارة النوميدية واحدة من أكثر الثقافات تألقاً وتأثيراً في تاريخ شمال إفريقيا القديم. هذه الحضارة التي ازدهرت بين القرن الخامس قبل الميلاد والقرن الثالث بعد الميلاد كانت تمتد عبر ما يعرف اليوم بتونس والأجزاء الشرقية من الجزائر والمغرب العربي. تتميز بثقافتها الغنية والتراث الفريد الذي يعكس مزيجاً فريداً من التأثيرات المحلية والعالمية.
تأسست المملكة النوميدية تقليدياً تحت قيادة ماسينيسا، وهو زعيم محلي استغل الاضطرابات الناجمة عن الحرب البونيقية الثالثة ليعلن الاستقلال عن روما عام 202 قبل الميلاد. تحولت نوميديا بسرعة إلى قوة إقليمية رئيسية، حيث توسعت حدودها لتشمل مناطق واسعة من منطقة البحر الأبيض المتوسط شمال الصحراء الكبرى الأفريقية.
كان للنوميديين نظام اجتماعي معقد يضم طبقات متعددة بما فيها النبلاء الذين كانوا يتولون المناصب السياسية العليا ويشكلون الطبقة المثقفة أيضًا. وكان لديهم أيضاً فئة رعاة وغنم، بالإضافة إلى عبيد يقومون بالعمل الزراعي والحرف اليدوية المختلفة مثل النجارة والخزف والنسيج.
اقتصاد نوميديا كان متنوع ومتطور للغاية مقارنة بالمجتمعات الأخرى في نفس الفترة الزمنية. لقد عرفوا طرق التجارة البحرية والجبلية الواسعة وكانت لهم علاقات تجارية وثيقة مع الإغريق والرومان والفينيقيين وغيرها من الجيران القريبين منهم. كما شكلت الصناعة التقليدية جزء مهم جداً من الاقتصاد حيث قام الرومييون والإسبانييون بشراء الملابس والصوف المغسول والمعالج بشكل جميل من نوميديا.
أما بالنسبة للدين، فقد اتبع النوميديون مجموعة متنوعة من الآلهة والإلهيات المستمدة أساساً من ديانة البيزنطيين والبامفيليّين وأيضا بعض عناصر الديانة اليهودية المسيحية المبكرة. ولعب الدين دور كبير جدا في حياة المجتمع النوميدي العام والشخصي أيضا.
وفي المجال الأدبي والثقافي، ترك لنا النصوص المكتوبة بلغات مختلفة رسائل حول الحياة الاجتماعية والدينية لهذه الحضارة القديمة مما يساهم كثيرا في معرفتنا بها حتى وقتنا الحالي رغم مرور القرون منذ زوالها. وبذلك يمكن القول بأن الحضارة النوميدية لم تكن مجرد صفحة أخرى غير مشرقة في التاريخ وإنما هي حجر رشيد يحفظ أسرار العديد من جوانب التاريخ الإنساني الشمالي الأفريقي.