في عهد الخلافة العباسية الأولى، شهدت الحركة الثقافية والعلمية نهضة هائلة نتج عنها ما يُعرف بحركة الترجمة والنقل. هذه الفترة الزمنية التي امتدت تقريبًا بين القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الثالث هجرية كانت فترة حيوية ومثمرة بشكل خاص. لقد كان الهدف الرئيسي لحركة الترجمة هو تعزيز المعرفة والإسهامات العلمية والفلسفية والثقافية من الأمم الأخرى مثل الفرس والروم والصينيين وغيرها إلى المكتبة الإسلامية.
وقد أسفر هذا الجهد المبذول عن إحداث تحولات كبيرة في مجالات متعددة؛ أولاً، في مجال الأدب، أدخلت ترجمات أعمال غربية عديدة إلى اللغة العربية، مما أغنى الحياة الأدبية بالروايات القصصية الغنية والمعاني البلاغية الجديدة. ثانياً، أثرت الترجمات العلمية بشكل عميق في تطوير العلوم الطبيعية والدينية. أما بالنسبة للفلسفة، فقد وفرت الترجمات معارف جديدة حول أفكار الفلاسفة اليونان القدماء وقدمتهم للعلماء المسلمين الذين طوروا بدورهم تلك الأفكار بما يناسب المنظور الإسلامي.
كما لعب دور مترجمين بارزين كـ "الكسائي"، و"هبة الله بن الأكفاني"، دوراً محورياً في نقل هذه النصوص الأصلية بكفاءة عالية، مشكلين بذلك جسرا ثقافيا فكريا فريدا عبر الزمان والمكان. وبالتالي، سمحت حركة الترجمة لنظام التعليم والتطور العقلي بأن يستمد القوة من مجموعة واسعة ومتنوعة من المناهج الفكرية العالمية. ومن خلال دمج النقاط المشتركة واستيعاب الاختلافات، تمكن المسلمون من خلق تراث فكري وفني غني وفريد خاصة فيما يسمى بالعصور الذهبية للعلم والثقافة الإسلامية. إن التأثير المستمر لهذه الحقبة التاريخية واضح جدا حتى اليوم ويتضح في العديد من جوانب المجتمع الحديث سواء أكانت علمية أم فلسفية أم أدبية.