إن مفهوم "اللاوعي" يعتبر أحد الأعمدة الرئيسية في علم النفس الحديث، وهو يشير إلى العمليات العقلية التي تعمل خارج مجال وعي الفرد ولكن لها تأثيراته القوية على سلوكياته وعواطفه وردود فعله تجاه المواقف المختلفة. هذه التأثيرات غالبًا ما تتجلى بشكل غير مباشر وفي جوانب كثيرة من حياة الإنسان اليومية. سنستعرض هنا بعض مظاهر هذه الظاهرة الغامضة وكيف تؤثر علينا دون أن ندرك ذلك تماما.
أحد أكثر الأمثلة شيوعاً لللاوعي هو ظاهرة التحيز النفسي. عندما نواجه قرارات معقدة ومتعددة الجوانب، يمكن لأنظمة معتقداتنا والقيم المتأصلة لدينا - والتي ربما تكون غير مقصودة وغير مقيدة بالإدراك الواعي - توجيه خياراتنا وتحديد نتائجها. مثلاً، قد يؤثر تحيزنا لصالح الذات ("النموذج المعرفي الذي يعطي أولوية أعلى لاحتياجاتنا ورغباتنا الشخصية") بشكل كبير على كيفية رؤيتنا للأحداث وتحليلنا لها، مما يؤدي بدوره لتوجيه أفعالنا وسلوكياتنا بناءً على تلك الرؤى المتحيزة جزئياً.
بالإضافة لذلك، يلعب اللاوعي دور هام جداً في تشكيل شخصيتنا وصورتنا الاجتماعية لدى الآخرين. وفقا لأبحاث عالم النفس الأمريكي روبرت لويس، فإن الناس يحكمون ويقيمون الأشخاص الذين يعرفوهم فقط لبضع دقائق بمستويات عالية من الدقة، وهذا الحكم المبني أساساً على تعبيرات الوجه ولغة الجسد، وهي كلها عمليات تتم بصورة ضمنية وخارج مجال الوعي. وبالتالي، فحتى قبل ان تبدأ محادثة رسمية مع شخص جديد، فقد تركت بالفعل انطباع أول له عنه استناداً إلى رد فعل اللاوعي لديك لرؤية ملامحه وتعابيره الأولى.
وفي الجانب الاجتماعي، تلعب الحشود دوراً مؤثراً بطريقة غير إرادية أيضاً، حيث نشهد تغييراً ملحوظاً في تصرفات الأفراد عند الانخراط داخل مجموعة كبيرة من الأشخاص. هذا الميل نحو السلوك الجماعي يرجع لحالة من فقدان الهوية الفردية وانتقال التركيز نحو الامتثال للمجموعة والتوافق مع قواعدها ومعاييرها الصريحة والمكتومة كذلك. إن تأثير الضغط المجتمعي والحاجة لإرضاء المنظومة العامة يساهم بتغيرات عميقة ومباشرة لكيف ينظر الشخص لنفسه ويعبر عنها للعالم الخارجي.
إذاً، بينما يبدو لنا الأمر واضح ومباشر بأن جميع الأنشطة البشرية تخضع للتحكم الإرادي عبر عملية تفكير منطقيّة ومنظمّة؛ تبقى حقيقة جوهرية مفادها أنّ العديد منها مدفوعة بجذور كامنة تحت سطح إدراكنا الحدسي والمعرفي المرئي مباشرة. إن فهم وتقبل هذه التعقيدات الداخلية سوف يفسر الكثير ممن يجده البعض أمر مستغرب حول طبيعة القرار الإنساني والسلوك العام حتى وإن كان ذو آثار بسيطه ظاهره .