انهيار الدولة العباسية الثانية: أسباب وأعراض ونظرة إلى آثارها الدائمة

شهد القرن الثالث الهجري بداية انهيار الدولة العباسية خلال عهدها الثاني، والذي كان له أسبابه المتعددة والمؤثّرة بشكل كبير على مجريات الأحداث السياسية و

شهد القرن الثالث الهجري بداية انهيار الدولة العباسية خلال عهدها الثاني، والذي كان له أسبابه المتعددة والمؤثّرة بشكل كبير على مجريات الأحداث السياسية والحكم آنذاك. هذه الانهيارات لها مظاهر عديدة يمكن تتبعها عبر التاريخ الإسلامي، وتترك بصمة كبيرة حتى يومنا هذا فيما يخص الفكر السياسي والتاريخ العالمي.

بدأ تدهور الخلافة العباسية بسرعة بعد وفاة الخليفة هارون الرشيد عام 193 هـ/809 م؛ إذ أدخل نظام "العهد" الذي منح فيه آل محمد السلطة، مما فتح الباب أمام الصراعات الداخلية والخارجية بين المختلفين حول حق الملك الشرعي. ومع مرور الزمن، سيطرت القبائل التركية تدريجياً على الحكم، بدءاً بخروج الطاهريين ثم البويهيين والسلاجقة وغيرهم ممن استغلوا حالة الانقسام الداخلي للاستئثار بالسلطة.

ومن أبرز الأسباب الرئيسية لتلك التحولات هي ضعف الحكام العباسيين الذين تولوا مقاليد الأمور بعد عصر الرشيد، فكانوا أقل كفاءة وشهرة منه، ما سهّل مهمة الوافدين الجدد للتدخل واتخاذ القرارات المصيرية. إضافة لذلك، نشأت طبقة جديدة غنية متنفذة غير راضية عن الوضع القائم بسبب سياسات خزانة المال المختلفة التي طالت مصالح رجال الأعمال والأغنياء التقليديين.

وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، ظهرت علامات واضحة لضعف المركز المركزي للدولة مع انتشار الفتن والصراعات الإقليمية الصغيرة بين مختلف المناطق، وكذلك ظهور حركات دينية وفلسفية تسعى لتحقيق استقلالها عن مركز الخلافة مثل الباطنية والدروز والإسماعيلية وغيرهم الكثير ممن لجأوا للإطاحة بنظام الحكومة الحالي لصالح تنظيمات أخرى أكثر دراسة واستيعابا للمصلحة العامة وفق فهمهم الخاص للعالم.

وفي الجانب الاقتصادي، أثرت هذه الفترة على التجارة العالمية والعلاقات التجارية الدولية أيضًا؛ فقد تحولت طرق تجارية رئيسية نتيجة لأزمات الغزو وانتشار الحرب داخل الدول الإسلامية وخارجهما أيضاً، الأمر الذي أفقد البلاد ثرواتها وحركتها النشطة نسبيا سابقاً قبل اندلاع تلك الاحداث المؤسفة والتي كانت سبباً مباشراً لمجيء المغول لاحقا وحكمهم للشرق الاوسط لفترة طويلة جداً (حوالي قرن واحد).

خلاصة القول إن عوامل عدة مجتمعة أسفرت عن مرحلة حرجة للغاية بالنسبة لدول العالم الاسلامي عامة وبخاصة العراق والشام وما يعرف الآن بشمال أفريقيا وليست فقط محصورة بما يُطلق عليه اسم الدولة العباسية الثانيه ولكن اتسع نطاق التأثير ليغطي جزءً واسعا من تاريخ الشرق الادنى القديم الحديث والمعاصر بطرق مختلفة ومتنوعة قد لا تنتهي معالم تأثير بعضها سريعاً بل تبقى ظاهرة مستمرة ذات امتداد زمني واضح المعالم رغم كل المحاولات المبذولة لإعادة بناء مؤسسات قوية تستعيد مكانتها الاولى مرة اخرى ولعل آخر رموز ذلك النهوض المؤقت هو الامبراطورية الصفوية الشهيرة والتي شهدت نهضة علمانية وثقافية عميقة عممت إنجازاتها الحديثة على مدى مناطق شاسعه مؤثره حتى اليوم بالسعي نحو تحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية واجتماعية مستقيمة تعكس رؤية اسلامية مميزة لكل شعب مسلم يرغب بتطبيق منهاجه الروحي المشروع كما ينبغي ان يكون بدون انحراف عنه ابداً .


عاشق العلم

18896 مدونة المشاركات

التعليقات