كان للفينيقيين والقرطاجيين تأثير كبير ومؤثر على تاريخ البحر الأبيض المتوسط القديم رغم الاختلافات البارزة التي كانت موجودة بينهما. بينما ينتمى كلا الحضارتان إلى المنطقة نفسها ويعود جذورهما لنفس الأصل -العرب- فإن هناك اختلافات واضحة يمكن تتبعها عبر مجالات مختلفة مثل الجغرافيا والعمر والتاريخ السياسي والحياة الثقافية أيضًا.
أولاً، بالنسبة للجغرافية، نشأت حضارة فينيقية حول مناطق لبنان وسوريا وتركيا حاليًا. أما القرطاجيون فقد أسسوا مدينة قرطاج في تونس الحديثة حوالي القرن الثامن قبل الميلاد. هذا الموقع الاستراتيجي جعلهم قوة بحرية رئيسية في تلك الفترة الزمنية المبكرة.
ثانيًا، فيما يخص العمر، يعد الفينيقيون مجموعة بشرية قديمة جدًا حيث يعود وجودهم لأكثر من ألفي سنة قبل الميلاد تقريبًا. بالمقابل، بدأت قصة إقامة مستوطنات القرتاجة فقط نحو عام 750 ق م، مما يعني أنها تأخرت نسبياً مقارنة بذوي العلاقة بهم المباشرة والفينيقيين تحديداً.
ثالثا، عرفت هذه الشعوب بتنوع وتفرد حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كان لدى كل منهما نظام حكم خاص ومعتقداته الدينية المميزة وأسلوبه الخاص في إدارة الشأن العام سواء داخل المدن أو خارجها. مثلاً، اعتمد النظام الاجتماعي للفنكيين بشكل أساسي على التجارة الخارجية وانفتاحهم الاقتصادي الواسع أمام العالم الخارجي؛ بينما شكل تنظيم المجتمع القرطبي معجماً فريداً انعكس فيه توازن دقيق ما بين الحياة العامة الخاصة بالحكومة المركزية وبين حقوق الأفراد المرتكزة على مؤسسات محلية مستقلة.
وفي النهاية، حققت هاتان الحضارات تقدماً ملحوظاً وتطور غير مسبوق خلال فترة عزها وسيادة نفوذها الكبير فوق شواطئ حوض المتوسط الغني والمزدهر آنذاك بكثيرٍ من الامتيازات التجارية والاستثمار الإستراتيجي الناجع. لكن لم يكن بوسع أحد منها الصمود أمام اندفاع الرومان الذين سيطروا تدريجياً على ممتلكاتها ودفعوها للتراجع التدريجي حتى اختفى ذكر كلتا الأمبراطوريتين تماماً من سجلات التاريخ العالمي الحديث!