يعد القرآن الكريم من أعظم الكتب السماوية، ويتميز بأسلوبه البلاغي الفريد الذي يجمع بين الإيجاز والإفهام. ومن بين خصائصه البلاغية البارزة هو حذف حروف العلة، والتي تعد إحدى سمات الرسم العثماني للمصحف الشريف. هذا الحذف ليس مجرد خطأ أو سهو، بل هو رمز لمعاني عميقة وخصائص بلاغية فريدة.
في القرآن الكريم، نجد أمثلة عديدة لحذف حروف العلة، والتي تتنوع بين حذف الألف والياء والواو. من الأمثلة على حذف الألف قوله تعالى: "وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها" (هود: 41)، حيث حذف الألف من كلمة "اسم" رمزًا إلى أن المضاف إليه أعظم الأسماء ومبدأ كل شيء، وهو الله سبحانه وتعالى.
أما حذف الياء فيمكن ملاحظته في قوله تعالى: "أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (البقرة: 132)، حيث حذف الياء من كلمة "هادى" رمزًا إلى الهداية المعنوية غير الحسية.
هذا الحذف لحروف العلة في القرآن الكريم له شروط محددة، منها أن يكون المضاف إلى اسم الجلالة "الله" دون غيره من أسماء الله وصفاته، وأن يكون مجرورًا بحرف "الباء". كما أن حذف الحروف في بنية الكلمة يرمز إلى أعجمية بعض الأسماء، مثل "إبراهيم" و"إسحاق" و"إسماعيل".
وقد اهتم البلاغيون والباحثون في علوم القرآن بهذا النوع من الإيجاز، حيث كتب أبو عمرو الداني أبوابًا مطولة في كتابه "المقنع في رسم مصاحف الأمصار"، بينما وضع أبو العباس أحمد بن محمد الأزدى المراكشى كتابًا بعنوان "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل"، وأخذ منه الإمام بدر الدين الزركشى والإمام جلال الدين السيوطي في كتبهم.
إن دراسة حذف حروف العلة في القرآن الكريم تكشف عن عمق بلاغته وإعجازه، وتؤكد على أن القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى، الذي تحدى به العالمين أن يأتوا بمثله.