في عمله الرائد "مقال في الفهم البشري"، قدم جون لوك رؤيته الثورية حول كيفية تشكل المعرفة لدينا. وفقاً له، هناك ثلاثة مستويات أساسية للمعرفة:
- المعرفة البديهية: هذه النوعية من المعرفة تعتمد بشكل مباشر على إدراك العقل دون حاجة لأي دليل خارجي. إنها واضحة للحكم العقلي ولا تحتاج لإثبات.
- المعرفة الضمنية: هذا النوع من المعرفة يأتي نتيجة التحليل الدقيق للواقع باستخدام المنطق والتأمل النقدي. هنا، العقل يسعى لتحصيل الأسباب والدلائل.
- المعرفة الحسية: يرى لوك أنها الأعلى درجات ومن أكثر أنواع المعرفة يقينية. تُكتسب هذه المعرفة من خلال التفاعلات مع العالم المحيط بنا - من خلال حواسنا الخمس الرئيسية.
لكن أحد أهم مساهماته الفكرية جاء عندما انتقد فكرة الأفكار الفطرة. لقد اعتبرها مبنية على فرضية خاطئة أساساً، حيث يولد الأطفال بدون أي معلومات مسبقة وأن كل ما نعرفه يأتي من خبرات حياتهم اليومية. بكلمات أخرى، ليس للإنسان جدول أعمال داخلي مسبق للمعلومات. وهذا الرأي يعارض بشدة الأفلاطونية المثالية والإقليدية التي اقتبست من فكرة أن المعرفة عبارة عن عملية استرجاع للمعلومات المكتسبة سابقا أثناء الحياة الأخيرة للنفس قبل تجسدها في الجسم.
لوك، قائداً للتجريبية البريطانية الجديدة، أكد أن العقل يشبه ورقة بيضاء فارغة عند الولادة وأن جميع الأفكار تولد نتيجة التعلم والحواس. ومع ذلك، فإن المشكلة الأكثر تعقيداً بالنسبة له كانت تكمن في مجال الأخلاق والقيم. إذا كانت كل معرفتنا تستند فقط إلى التجارب الشخصية المتنوعة، كيف يمكن لنا تحديد نظام أخلاقي عام ومقبول عالمياً؟ برغم الاختلاف الثقافي الواسع فيما نعتبرها أموراً جيدة أو سيئة، بعض المواقف تحمل موافقاة عامة واسعة، مما يدفعنا للسؤال حول ماهية الأصل النهائي لهذه المحاذير العالمية مثل قاعدة عدم قتل النفس الأخرى.
بالانتقال إلى تصنيف الأفكار كما طرحها لوك، فهو يقسمهما أساساً إلى بسيطة ومركبة. الأفكار البسيطة هي تلك التي لا تمتزج بتجارب حسية أخرى بينما تأتي الأفكار المركبة بعد عمليات ذهنية معقدة تقوم بها العقول والتي غالبًا ما تجمع عناصر مختلفة من الأفكار البسيطة في صورة جديدة. حتى لو ظهر تسلسل هرمي واضح بين المستويات الثلاثة للمعرفة، يؤكد لوك دوراً هاماً للعقل وليس مجرد آلية للاستقبال السلبي للمعلومات الخارجية بل كمؤثر نشيط فيها أيضًا.
