في مجال الفلسفة، تعد الغيرية مفهومًا حيويًا يعكس مدى ارتباطنا والتزامنا تجاه رفاهية وسلامة الآخرين. يُعتبر هذا المصطلح أحد المفردات الرئيسية المستخدمة لوصف الجانب الأخلاقي الذي يدعو إلى حب ورعاية الأفراد بغرض تحقيق المنافع لهم وليس فقط لنفسنا.
نشأت جذور هذه النظرية الفلسفية من عمل أولي للأديب الفرنسي الشهير أوغست كونت، والذي اعتبرها حجر الزاوية في نظامه للوضعيات الاجتماعية. وفقًا لكونت، تتمثل الغيرية في الشعور بالحاجة والحافز نحو تقديم الخير للآخرين وبالتالي تجاوز الانانية البسيطة. ويصف أيضًا بأنها تعبير عن الاحترام والمحبة والخير تجاه الغير.
تبنى هربرت سبنسر لاحقًا هذا المفهوم وأصبح شائع الاستخدام بين العديد من الأكاديميين والفلاسفة المعاصرين. تعتبر الغيرية ضد الإنانيّة والتي تحدد ماهية كون شخص ما بشراً - فهي ليس مجرد فكرة بل حالة ثابتة داخل الإنسان نفسه. إنها الوعي الذاتي والاستمرارية للمعنى الإنساني المستمد من التعامل مع العالم الخارجي والتعايش معه بشكل فعال ومعقول.
يمكن تصنيف الغيرية إلى ثلاث طبقات رئيسية بناءً على نوع السلوك المتضمن فيه: النفسي، والسلوكي، والعقائدي/الفكري. تُشير الغيرية النفسية للحوافز الداخلية للسلوك البطولي لصالح الآخر، بينما تشير الغيرية السلوكية للجهد المبذول لتحقيق نتائج ولو بتكاليف شخصية قليلة نسبياً للمساندة والدعم. أخيرا، تلعب الغيرية العقائدية دورا مركزياً عندما يتم وضع رضا وسعادة الآخر ضمن الأولويات الحيوية والأهداف الشخصية للعيش بكفاءة واحتراما للقيم المشتركة بين المجتمع الواحد.
وفي حين أكد كونت أيضا على دور المرأة القيادي المحتمل والإلهام الروحي المحتمَل الذي تمتلكه حول أفكار الغريزة الأمومية الطيبة والصافية، إلا انه رحب بإمكانات نمو وتعزيز ثقافة الرحمة والعدالة عبر التعليم والمعرفة الحديثة. هنا يكمن الرؤية الثاقبة له حول قدرة الثقافات المدنية المتشبثة بالأخلاق الإنسانية على تحويل اتجاه تركيز الأفراد من الاكتساب الذاتي للسعادة القصيرة المدى إلى توجيه جهود مشتركة لإسعاد الجميع وتحقيق سلام دائم.
