النكرة المقصودة هي أحد المفاهيم اللغوية التي غالباً ما تُثير تساؤلات بين المتحدثين والمدرسين للغة العربية الفصحى. هذه الظاهرة تعكس قدرة اللغة على الربط بين معانٍ مختلفة عبر استخدام أدوات مرجعية مثل "ذا"، "ذلك"، و"هما". في هذا المقال، سنلقي نظرة عميقة ووافية على مبدأ النكرة المقصودة وأهميته في سياق الصياغة اللغوية الدقيقة.
في علم البلاغة والنحو العربي، تعتبر النكرة المقصودة حالة خاصة من حالات الوصف والإشارة. عندما نستخدم كلمات مثل "هذا" أو "ذاك"، فإنها تشير إلى وجود معرفة مشتركة بين المتكلم والسماع بخلفية محددة. على سبيل المثال، لو قلت: "أنت تعلم ذلك جيداً"، فإن كلمة "ذلك" ليست مجرد اسم عام لكنها ترتبط بموقف أو حدث سابق ذُكر بين الطرفين. وبالتالي، يمكن اعتبار النكرة هنا مقصوداً بها شيء معروف بالفعل للشخص الآخر بناءً على السياق السابق للأحاديث.
ومن الأمثلة العملية الواضحة لهذه الحالة قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
"ولستُ بقريب عَرَفْتُ زَمَنَهـا... ولا بعيد إلاّ عنيٌّ داجي"
حيث يشير "أنَّفا" في البيت الثاني إلى وقت اللقاء الأول بين الحب والشوق وهو واضح من أول بيت شعري يعرفه القارئ/السامع قبل الوصول لبيت الشعر المعني بالتعديل. وهكذا يُمكننا فهم مدى تأثير الحنين والتذكر لهذا اليوم تحديداً لأن الشاعر استخدم "ذَا" لتلك اللحظة المرتبطة ارتباط وثيق بحبِّه وشوقِه للمحبوب.
وبالمثل، قد يتم استخدام هذه الأدوات المرجعية فيما يسمى بالنكرة المقصودة أيضًا عند الحديث حول الأحداث المستقبلية إذا كانت مرتبطة بسياقات معينة متفق عليها بين الأطراف المتداخلة بالحوار. فإذا قال أحدهم مثلاً: "سوف ترى الأمر كما هو الآن بعد فترة قصيرة"، فإن مصطلح "الأمر" يصبح معروف المضمون رغم عدم وصف تفاصيله بشكل مباشر بسبب ثقة المحاور بالمتحدث بأن لديه معلومات سيقدمها لاحقاً ستوضح طبيعة الموضوع المشار إليه بصورة واضحة لكل منهما دون تخمينات غير مؤكدة.
وفي الختام، فإن دراسة وتحليل ظاهرة النكرة المقصودة توفر فهماً أكثر شمولاً للدلالة والمعنى ضمن النصوص المكتوبة والمسموعة سواء كانت شعرًا جماليًا أو حوار يومي روتينياً؛ فهي وسيلة لإضافة العمق والاستيعاب اللازم لفهم الرسالة المنشودة كاملة ومعبرة بكل راحة لسلسلة الأفكار الموجودة خلفها والتي ربما لم تتضح تمامًا حتى نهاية حديث المؤدين لها ولنفسهم باستمرار التواصل باستخدام تلك التأويلات المقترنة باعتباراتها الخاصة الخاصة بكليهما!