في غمار المنظومة النحوية العربية، تحتل أفعال الشروع والمقاربة والرجاء مكانة بارزة لما تحمله من دلالات نفسية وفكرية عميقة. تُعدّ هذه الأفعال جزءًا لا يتجزأ من بنية الجملة الاسمية، إذ تندمج معها بشكل مباشر لتقدم تصورات مختلفة حول أحداث ومواقف محتملة أو حالية. سنتناول فيما يلي دراسة مكثفة لكل نوع على حدة.
أفعال الشروع
تستخدم أفعال الشروع للتعبير عن البدء والاعتزام القيام بعمل ما. تمثل هذه الأفعال أدوات محورية للإشارة إلى بداية حدث جديد أو عملية قيد التنفيذ. بعض الأمثلة البارزة تشمل "أنشأ"، "أخذ"، و"طفق". تتميز هذه الأفعال بأنها جامدة، أي أنها ترتبط دائما بزمان الماضي، وعادة ما تتبعها جملة فعلية مباشرة بدون الحاجة لحروف مبنية كالـ"أن". إليك مثال توضيحي:
"شرع الطفل في تعلم الرسم": هنا، "شرع" فعل شروعي ناقص يدل على بدء العملية التعليمية، بينما يشكل الجملة التالية ("في تعلم") خبر هذا الفعل الناقص.
أفعال المقاربة
تميل أفعال المقاربة بالإشارة إلى احتمال حدوث شيء قريب جدًا ولكنه لم يحصل بعد. تشمل مجموعة هذه الأفعال المتداولة كلمات مثل "كاد" و"أوشك". يتم استخدامها لإعطاء انطباع بتوقعات واقعية بشأن وقت وشيك لنشوء حالة ما. دعونا نفسر التركيب النحوي لهذه النوعية من الأفعال عبر المثال التالي:
"يوشك الدجى أن يغمر المدينة": في هذا السياق، "يوشك" -على الرغم من كونها فعلًا مضارعًا- تعمل كأساس ضمنيًا للحدث المرتقب وهو دخول الليل بسرعة قريبة. لاحظ كيف جاءخبر الفعل مؤولًا بكلمة "أن يغمر".
أفعال الرجاء
ومن ناحيتها، تعكس أفعال الرجاء الرغبات والأماني المعلقة بمستقبل غير مضمون تمامًا. تساهم عبارات كهذه في التقريب بين الواقع والحلم بإيحاء شعوري بالقوة الروحية والتفاؤل المستقبلي والدعوات نحو تحقيق الأمنيات. تجدر الإشارة إلى قدرتها أيضًا على التعاقد حين تختزل نفسها داخل ذاتها دون حاجة لفعل مساعد كتلك التي تراها في قول: "عسى الله أن يسدد خطانا". كذلك، قد تحتاج لاستكمال بناء الجملة باستخدام "أن" بالإضافة لجملة فعلية كاملة كمظهر مماثل للسابق لكن أكثر شمولاً وتعبيراً عنه كما رأينا سابقًا:
"حلى عليها أن ترقى بدرجتَيْن": هنا تقوم كلمة 'حرى'–ضمن سياقاته الخاصّة بها- مقام الدعوة القوية لتحقيق نتيجة مرغوبة بشدة وهي الترقية لمنصب أعلى نسبيّا .