يشكل كل من علميّ الجغرافيا والتاريخ ركائز أساسية لفهم تاريخ الإنسان وتفاعله مع البيئة الطبيعية والمجتمعية. رغم ارتباطهما الوثيق، فإن لكل منهما خصائص ومجالات بحث مميزة تميزه عن الآخر. سنستعرض فيما يلي الاختلافات الرئيسية بين هذين العلمين وأثرهما المتشابك في دراسة المجتمع البشري.
علم الجغرافيا هو الدراسة العلمية للأرض وللظواهر الطبيعية والبشرية التي تحدث عليها وعلى سطحها الخارجي. يركز على تحليل الأنماط المكانية للبيئات الفيزيائية والثقافية والديمغرافية عبر الزمان والمكان. يمكن تقسيم هذا المجال إلى عدة تخصصات فرعية مثل جغرافيا السكان، والجغرافية البشرية، وجغرافيا البيئة، وغيرها الكثير. يُعنى علماء الجغرافيا بفهم كيفية تأثير الظروف الطبيعية والكوارث الطبيعية وتوزيع الموارد بشكل عام وكيف تؤثر هذه العوامل على سلوكيات ونمو الشعوب المختلفة حول العالم. إن فهم العلاقات المعقدة بين الأرض والإنسان يعد محور تركيز أساسياً في علم الجغرافيا الحديث.
في المقابل، يستكشف علم التاريخ أحداث الماضي الإنسانية وسجلاته بما فيها البشر والحركات الثقافية والأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية والأديان والمعتقدات الدينية والأدب والفلسفة. وهو يشير أيضاً لتراكم خبرات الانسان ومعرفة ممارساته وتعليماته ونقل ثقافته عبر القرون. يعمد المؤرخون غالبًا لاستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات التحليلية ومن أهمها النصوص المكتوبة والسجلات الرسمية والشهادات الشفهية بالإضافة للدراسات المنظمة للمواقع الآثارية وفنون تعبير الفنانين الذين عاشوا زمن تلك الحوادث سواء كانوا كتاباً أم رسامين أم نحاتين... إلخ . يسعى التاريخ لإعادة بناء قصص الماضي واستنتاج دروس قابلة للتطبيق بالنسبة للحاضر مستقبلاً وبالتالي المساهمة برجاحة الحدس لدى صناع القرار السياسي والحكوميين ودعاة التغير الاجتماعي عامةً.
هناك تشابه كبير بين البحث الجغرافي والتاريخي إذ يكمن كلاهما بتحقيق العمليات الفكرية ذاتها لحفظ الذاكرة الجمعية وإدامتها؛ لكن لكلٍ منهما طرائق مختلفة لجمع البيانات وإجراء الاستخلاص منها وتحليل نتائج التجارب الموضوعية لقصد الوصول لتحليل أكثر عمقاً واتساعا للوقائع الاجتماعية والإنسانية العامة بعامة والتي قد تتضمن رؤى واقعية متداخلة ومتداولة ضمن آفاق زمنية وثقافية محددة وظرف اجتماعي خاص بها أيضاَ!
إن فهم العلاقة الجدلية المتسمكة التي تربط جميع جوانب حياة شعب ما بكوكبه الأرضي الخاص به والذي بدوره يؤثر تأثيراً مضاعفاً عكسيا عليه ، أمر بالغ الأهمية ليس فقط للفهم الأكاديمي بل كذلك لأهداف عملية هادفة هدفها تطوير السياسات المعتمدة عالميًا بغرض مواجهة تحديات المستقبل القريبة والبعيدة المدى أيضًا!. لذلك فإنه من الواجب ألّا نغفل دور كلٌ منهم دور واضح وحديث وصريح قدر الإمكان عند التعامل مهما كانت درجة تفرده وهويته الخاصة بطبيعتهِ آنئذِي!!