في "الداء والدواء"، وهو عمل مؤثر للإمام ابن القيم الجوزية، يناقش المؤلف بشفافية عميقة مجموعة واسعة من المشاكل المتعلقة بالنفس الإنسانية وكيف يمكن علاجها وفق الضوء الديني الإسلامي. يتم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسية يغطّيان مواضيع مترابطة تتعلق بالقوة الداخلية للإنسان والتواصل معه بالله عز وجل.
الباب الأول: يركز هذا الباب على فكرة أن الشفاء ليس محصورًا بالعالم الطبي فقط، بل يشمل الجانب الروحي أيضاً. يؤكد الإمام بأن الكتاب المقدس -القرآن الكريم- يحمل الشفاء لأي مرض روحي أو نفسي، مشيرًا إلى أهمية التعلم ('السؤال') كمصلح لجوانب الحياة المختلفة بما فيها الفهم الخاطئ للشرع. يدخل المؤلف في العمق ليبرهن على فعالية آيات معينة مثل الفاتحة، بالإضافة إلى دور الدعاء المباشر والعريض في تحقيق الشفاء. لكنه يحذّر كذلك من وجود عقبات محتملة تحول بين الإنسان ورد اتصال دعائه بالله، مما يؤدي بدوره لتأجيل الاستجابة.
الباب الثاني: هنا نرى تركيزاً خاصاً على كيفية تعامل المرء مع مصيره ومعتقداته الشخصية فيما يتعلق بالإرادة والإخلاص والإيمان بالتوبة والمغفرة. يُشدد المؤلف على خطورة الغرور الزائد والثقة غير المنطقية بإنجازات الماضي or رحمة الله، والتي تصبح مربكة عندما تواجه تحديات حتمية للحياة اليومية. يقارن الحكمة بمجموعة من القصص التاريخية لإظهار التأثيرات المدمرة للغلو والاستهانة بالحقيقة.
الباب الثالث: يعكس الجزء الأخير من الكتاب وجهة نظر أكثر تحديدًا بشأن تأثير الخطايا والمعاصي على حياة الفرد العامة والصحة الروحية الخاصة. يكشف كيف تؤثر هذه الأفعال بشكل سلبي على العلاقات الاجتماعية، والحالة المالية، والحالة الصحية للجسد والنفس. علاوة على ذلك، يسلط الضوء على مسؤولية الأفراد داخل المجتمع وليس فقط بالنسبة لأنفسهم؛ لأن أعمالهم الصغيرة قد تكون لها تداعيات كبيرة تؤثر على الآخرين أيضا.
بشكل عام، يعد "الداء والدواء" بمثابة دليل شامل لاستعادة الذات والشعور بالسلام الداخلي بناءً على أساس إيماني ثابت ومستدام. فهو ليس مجرد وصفة دوائية ضد الأمراض البدنية ولكنه نظام حياتي يستند إلى فهم أعمق للقلب والعقل والقيمة الأخلاقية للإنسان.