كتاب "لغز الموت" للدكتور مصطفى محمود يعد واحدًا من الأعمال الأدبية الرائعة التي تناولت موضوع الحياة والموت بفلسفة عميقة ومثيرة للتفكير. يعرض المؤلف وجهة نظره الخاصة حول الطبيعة الغامضة للموت ومدى تأثيرها على وجود الإنسان في الحياة اليومية. رغم صدوره لأول مرة في العام ١٩٩۹، إلا أنه استمر في جذب انتباه القراء بسبب تعقيد وفلسفية طرح الموضوع.
يتميز أسلوب مصطفى محمود في الكتابة بسلاستها ووضوح اللغة المستخدمة. وهذا ما جعل كتاب "لغز الموت" متاح بفهم واسع لقرائه بمختلف مستويات الثقافة والمعرفة. يركز الكتاب أساساً على تقديم صورة واضحة عن مدى ارتباط حياة البشر بالموت، موضحًا أنها ليست مجرد عملية قطعية ولكنها تبدو وكأنها شد وثبات دائمين بين حالة الولادة والموت. يشرح الكاتب كيف يبدو الإنسان كنسيج ملتبس بين هاتين الحالةين، حيث يحيا بينما خلاياه وأعضائه تتجدد وتموت باستمرار.
ثم يمعن المؤلف في دراسة الأبعاد المتعددة للمعاناة الإنسانية والفراغ الداخلي المرتبط بالبحث عن المعنى، مما يخلق فضولا عميقا لدى القراء بشأن ماهية الموت حقا. يقترح مصطفى محمود بأن الموت ليس نهاية بل بداية جديدة، مثلما يستبدل البستاني النباتات القديمة بالأخرى الجديدة لنشر جمال جديد وحياة جديدَّة.
يتكون العمل من خمس عشرة فصلاً تغطي مجموعة واسعة من المواضيع ذات الصلة، بما في ذلك الذات والوعي بالإرادة والعقل الزمن الإنساني والشهوة والدين والفن. يتم التركيز بقوة على دور الدين كمصدر رئيسي للعشق والمحبة الخالصة لله تعالى، والتي تعتبر أعلى درجات المحبة حسب رأيه. كما يناقش أيضًا فكرة محاسبة الرب لعبده بعد مماته، ودحض الرأي الشائع بدخول جميع النفوس للجنه بدون فرق كبير بين الظالم والمظلوم، مؤكدًا للأمانة الإلهية والقانون العالمي للعدالة المبنية على قوانين ثابتة لاتقبل التلاعب أو الاستثناءاتها.
بشكل عام، يكشف لنا كتاب "لغز الموت" بصورة غير اعتيادية الطرق التي نفكر بها حول الموت وننظر إليها، ويعكس قدرة مصطفى محمود الفائقة على الجمع بين الفلسفة والأدب لتقديم رسائل غاية في العمق والتأثير.