يُعدّ كتاب "مقدمة" لإبن خلدون مرجعًا أساسيًا لفهم مفهوم المجتمع والتطور الاجتماعي عبر التاريخ. يعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث نظرًا لتعمقه في تحليل بنية وتشكل المجتمعات الإنسانية. وفي هذا السياق، فإن تعريفه للمجتمع يشكل أساس فهمنا لعلاقتنا بالمجتمع وبنياته المختلفة.
يرى ابن خلدون أن المجتمع هو مجموعة من الأفراد الذين يعيشون معًا ضمن منطقة جغرافية محددة ويتشاركون نظام اجتماعي وثقافي متكامل. فهو ليس مجرد تجمع عشوائي للأفراد ولكنه شبكة من العلاقات والعادات والقيم التي تنظم سلوكهم اليومي وتعزز تماسكهم الجماعي.
ويركز ابن خلدون أيضًا على الطبيعة الديناميكية والمستمرة لتشكيل المجتمعات. فوفقًا له، يتميز كل مجتمع بفترة ازدهار أولية تسمى "الدولة الأم"، والتي تتبعها مرحلة انحدار تدريجي نحو الضعف والفوضى حتى حلول نهاية الدورة الحضارية. ويبرر ذلك بالتغير المستمر في التركيبة السكانية واتجاهات القوة الاقتصادية والثقافية داخل المجتمع الواحد.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد ابن خلدون على دور العنصر الإنساني كمحرك رئيسي للتغيير الاجتماعي. فعلى الرغم من التأثير الكبير للعوامل البيئية والحكومية وغيرها، إلا أنها تبقى أدوات مساعدة بينما يبقى الإنسان العامل الرئيسي المؤثر بشكل مباشر ودينامي في عملية تشكيل المجتمع واستقراره وهويته الخاصة.
وبالتالي، يمكننا القول إن رؤية ابن خلدون للمجتمع ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية: الوحدة المكانية المشتركة والنظام الثقافي المترابط والدور المركزي للإنسان كفاعل مستمر ومتجدد للحياة الاجتماعية. وهذا الرؤية توفر لنا نظرة ثاقبة حول طبيعة المجتمع وكيف يعمل وكيف ينمو وينحدر عبر الزمن.