تُعدُّ دراسة النَّحْو أحد أهم فروع علوم اللغة العربية التي اهتم بها علماء العرب منذ القدم، وقد مرَّ هذا العلم بتغييرات وتطورات مختلفة شكَّلت مدرسته الفكرية والفلسفية الخاصة. بدأت نشأة المدارس النحوية مع بداية ظهور الاهتمام باللغة العربية كوسيلة للتعبير الفني والأدبي خلال القرن الثاني الهجري، حيث ظهر أول نهوض نحوي عند سيبويه وعلمائه الذين وضعوا أسس علم صرف ونحو ثابتين حتى اليوم.
في تلك الحقبة، كان التركيز الأساسي حول دراسة القواعد والاستشهادات الأدبية لتحديد قواعد اللغة وأصولها الصحيحة. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، تطورت هذه المدارس إلى توجهات متعددة انعكست اختلافاتها في كيفية التعامل مع النصوص القرآنية والنصوص الشعرية القديمة. ومن أشهر الشخصيات التي أثرت في تشكيل هذه المدارس أبي عمرو بن العلاء وخليل بن أحمد الفراهيدي.
أحد أكثر المدارس شهرة هو المدرسة البصرية، والتي سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى مدينة البصرة العراقية حيث برز روادها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي. ركزت هذه المدرسة على تقديم تفسيرات منطقية لقواعد اللغة مستندة إلى الأعراف الاجتماعية والعادات الشائعة آنذاك. أما المدرسة الكوفية فقد عُرفت بميلها نحو التدقيق الدقيق والقراءة الحرفية للقواعد النحوية دون الأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي والثقافي للألفاظ المستخدمة.
وفي مرحلة لاحقة، شهدت الفترة الأموية ظهور مدرسة أخرى معروفة باسم "المدرسة القرشية"، سميت كذلك لأن مؤسسها عبد الرحمن بن القشيري ينتمي إلى قبيلة قريش الشهيرة بجذورها التاريخية العميقة. تميزت هذه المدرسة بإضافة جوانب فلسفية وفقهية لعلم النحو مما جعله حقل بحث شامل وليس مجرد دراسة قواعد لغوية بحتة.
إن فهم طبيعة مدارس النحو العربية مهم لفك طلاسم النصوص الأدبية والشعرية القديمة وكذلك لمعرفة كيف تطورت لغة الضاد واستوعبت آفاقاً جديدة رغم ثبات أساساتها العامة المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. إن رحلة التحول التي قطعتها هذه المدارس تعكس مدى العمق والتجذر الثقافي للغة العربية وما زالت تقدم دروسا قيمة لكل باحث يروم التنقيب عن كنوز تراثنا الغني والحافل بالأدب والمعاني البلاغية الجميلة.
