عبد القاهر بن طاهر الجرجاني هو أحد أشهر الشخصيات النحوية والمتكلّمة في تاريخ الأدب العربي. عاش هذا العالم البارع بين عامي 415 هـ و471 هـ الموافق لعام 1024 ميلادي إلى حوالي العام 1080 م. ولد في مدينة جرجان الواقعة شمال شرق إيران والتي كانت تشهد نهضة ثقافية وفكرية واسعة حينذاك. نشأ عبد القاهر وسط بيئة علمية غنية مما جعله يولي اهتماما كبيرا منذ الصغر بمجالات اللغة العربية والفلسفة الإسلامية والعقلانية الإسلامية الوسطى.
تلقى تعليمه المبكر تحت رعاية العديد من العلماء البارزين ومن ثم انتقل للعيش والدراسة بالقاهرة بعد وفاة أبيه حيث واصل دراساته الدينية والأدبية بشكل مكثف حتى أصبح مرجعا مهما لكل من بحثوا عن إجابات حول مسائل النحو والتفسير القرآني. يُعتبر كتابه "دلائل الإعجاز" واحدا من أهم مؤلفاته التي تناول فيها تفصيلا لإعجاز القرآن الكريم وبنى آراء نقدية متقدمة لدحض اعتراضات الفلاسفة على الدين الإسلامي باستخدام المنطق والحجة المنطقية الجامعة.
كان لعبد القاهر دور كبير أيضا في مجال علم المعاني والنظم إذ ألف عدة كتب منها "الأصول الثلاثة"، وهو عمل أساسي في علم المعاني وضع فيه قواعد واضحة لفهم معاني النصوص واستخداماتها المختلفة حسب سياقاتها الزمنية والموضوعية المتعددة. كما قدم مساهماته الخاصة في تصحيح بعض الأخطاء اللغوية الشائعة آنذاك وأوجد حلولا منطقية لها مستندا بذلك على أصول اللغة العربية الأصيلة والمعايير التقليدية للنحو والبلاغة لدى العرب القدامى.
بالإضافة لذلك فقد ترك لنا ابن الجرجاني تراثاً أدبياً آخر يتمثل فيما خلّفه من نظريات ومعلومات حول علوم أخرى كالرياضيات وعلم الفلك ولكن شهرته الحقيقية جاءت عبر إسهاماته الرائدة في مجالي النحو والمعاني والذي جعل منه شخصية تُذكر دوماً عند الحديث عن العلوم الإنسانية الشرقية خلال عصر النهضة الثقافية الاسلامية. إن عمله المستمر وجهده الكبير دفعا المجتمع العلمي لتسميته باسم "الإمام المفسر". لقد كان لسيرة حياته وتطور أفكارها تأثير مباشر وملفت للأجيال التالية له فصار رمزًا للإخلاص والإتقان العلميين الذين يحققون تقدم الشعوب نحو الرقي الأكاديمي والثقافي.