تتبع نشأة علم النفس المعرفي خطوات هامة عبر تاريخ العلوم الإنسانية والنفسية تحديداً. يمكن القول بأن الجذور الأولى لهذا الفرع من علوم النفس ترجع إلى القرن الثامن عشر مع ظهور أعمال الفلاسفة الذين كانوا يبحثون في عملية التفكير والإدراك البشري مثل "جون لوك"، الذي أكد على أهمية الخبرة كمصدر أساسي للمعرفة.
في بداية القرن العشرين، شهد الحقل تطوراً كبيراً بفضل إسهامات علماء بارزين مثل "ويليام جيمس". بدأوا بالتركيز بشكل أكثر دقة على العمليات الداخلية للدماغ وكيف تؤثر هذه العمليات في سلوك الإنسان وتصرفاته. ومع ذلك، فإن نقطة الانطلاق الحقيقية لعلم النفس المعرفي كما نعرفه اليوم جاءت خلال فترة ما بين الحربين العالميتين عندما طرح مفهوم "الاستيعاب المشروط" بواسطة عالم النفس الألماني "وولفغانج كوهلر". هذا المفهوم ركز ليس فقط على الوظائف العقلية ولكن أيضًا على كيفية تأثير البيئة وخبرات الحياة عليها.
ثم أتى دور الراحل "نورمان ميلر"، الذي قدم مساهمات حيوية خاصة فيما يتعلق بتخزين واستعادة المعلومات البشرية، مستشاراً بذلك الطريق أمام مجال جديد من البحث العلمي أصبح يعرف باسم "علم نفس الذاكرة". وفي النصف الثاني من القرن العشرين، تألقت حركة تسمى "البراغماتية البريطانية" التي قادها شخصيات رائدة مثل "بارتلت" و"تشيهيرنيسكي"، وقدمت تصورات جديدة حول عمليات التعلم والمعرفة البصرية وغيرها الكثير مما يعزز فهمنا للإنسان كمخلوق ذو قدرات معرفية فريدة ومتميزة.
على الرغم من التركيز الأساسي لهذه الفترة على الجانب التجريبي للدراسة، إلا أنه كان هناك اهتمام متزايد بنظرية الإدراك والتفسير للمعلومات. أحد الأمثلة الرائعة لذلك هو إبداع نموذج "العملية الاستعادية" الذي اقترحه كلٌّ من "إريك نيسن وهارولد شوتز"، والذي ساعد كثيرا في توضيح آلية تشكل المفاهيم لدى الأفراد.
والآن، بعد مرور عدة عقود منذ تلك السنوات المجيدة، يستمر علم النفس المعرفي في التقدم والتطور باستمرار. فهو يسعى دائماً لتقديم نظرة عميقة ودقيقة لحياة الدماغ وتعقيداتها، وذلك لتحسين قدرتنا على فهم الطبيعة المعقدة للسلوك البشري والعوامل المؤثرة فيه.