اللسانيات، كعلم دراسة اللغة الطبيعية، لم تعد مجرد بحث حول البنية الصوتية والكلامية للغات البشر المختلفة فحسب؛ بل توسعت لتشكل جزءاً أساسياً من الفروع الأكاديمية المتعلقة بالمعرفة الإنسانية. هذا التوجه يعود إلى ظهور النهج "اللساني المعرفي"، الذي يشدد على دور اللغة في فهم العمليات الدماغية وطبيعة التفكير الإنساني. هذه الرؤية الجديدة تم التقاطها بشكل مثالي عبر كتاب "كتاب اللسانيات وأسسها المعرفية".
في جوهره، يلقي الكتاب الضوء على كيفية قيام الدراسات اللسانية بتقديم رؤية فريدة ومفصلة لكيفية عمل دماغ الإنسان وكيف يؤثر البيئة الثقافية والدينية والتاريخية على استخدامات وتطور اللغات. يركز المؤلفون على الأبحاث التي تربط بين بنية الجملة والقواعد النحوية مع عمليات الفكر والاستدلال لدى الأفراد.
تستعرض الأجزاء الأولى من الكتاب مبادئ علم النفس المعرفي وكيف أنها تحددت لفهم الطرق التي يستخدم بها الناس عقولهم لتعلم وفهم اللغة. يتم التركيز خاصةً على الأدوار المركزية للمثنوي القياسي والمكاننة - وهي القدرة على التعامل مع المعلومات بشكل آلي بدلاً من الاعتماد فقط على التعليمات المستمرة - والتي تعتبر ضرورية للتواصل لغوياً فعالاً.
ثم ينتقل الكتاب لاستكشاف العلاقات ذات التأثير المتبادل بين اللغة والثقافة. هنا يُظهر كيف تستطيع التحليل اللغوي تسليط الضوء على الهويات الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي للأمم والشعوب المختلفة. يتم تقديم أمثلة متعددة توضح مدى ارتباط المفردات والعبارات الخاصة بكل مجتمع بالتقاليد وعادات الحياة اليومية وبالتالي تعكس مشترك المشاعر والأحاسيس الجمعية لهذه المجتمعات.
أخيراً، يدخل المؤلفون مجالات أكثر شمولاً مثل تأثير الدين والحكمة الشعبية على الاستخدام اللغوي. يشرحون كيف يمكن للعبارات الدينية والعبارات الحكيمة أن تكون انعكاساً مباشرًا للقيم الأخلاقية والروحية داخل نسيج حياة الأشخاص الذين يستخدمون تلك العبارات بشكل يومي. كما يكشفوا عن الجانب الجمالي للغة، موضحين كيف يمكن للشعر والنثر أدوات فعالة لإظهار الزخم الداخلي للإنسان وحكمته ورؤاه للحياة.
بذلك، أصبح "كتاب اللسانيات وأسسها المعرفية" مرجعاً أساسياً لأي شخص مهتم بفهم عميق لدور اللغة داخل مساحة واسعة تشمل العلم والإنسانية والفكر الإنساني العام.