رواية "الطاعون"، إحدى أبرز الأعمال الأدبية التي تركتها عبقرية الفكر الفرنسي ألبير كامو، هي مرآة صادقة تعكس الجانب المظلم لحالة الإنسان أثناء الشدة والكرب. هذه الرواية التاريخية/الوجودية تنشر للعالم قصةمدينة وهران خلال فترة انتشار مرض الطاعون المرعب في الأربعينات من القرن العشرين.
تبدأ الأحداث بسقوط جرذان البلاد دون سابق إنذار، لتتحول الظاهرة بسرعة إلى هلع إقليمي. ورغم جهود السلطات لإدارة الوضع مبكرًا، إلا أنها فشلت في توقعاتها حين تحولت الجرذان المتحللة الصغيرة إلى عدوى مميتة تهدد حياة كل السكان تقريبًا. يصبح الدكتور برنارد ريو - بطل الرواية الرئيسي – عاجزًا أمام هذا الفيضان المفاجئ لموجة الموت والألم الإنساني.
ومع مرور الوقت، تشهد المدينة تحولات درامية مظلمة. يُفرض الحجر الصحي الصارم على جميع الزوايا، مما يقوض التواصل الاجتماعي وينهك نفوس سكانه الثكلى. حتى الدين يستغل هنا؛ يستخدم رجل دين معروف فرصة الحرب ضد الطاعون لتحقيق مكاسبه الشخصية والتلاعب بالعاطفة العامة للشعب المضطرب. ومع تقدم العدوى، ينتهي الأمر بالأعمال العنيفة ومخططات السرقة وهجمات الجيش المدني على المدنيين الآخرين الذين يحاولون الهروب من المشهد الكارثي.
لكن وسط ظلام الواقع اللاإنساني لهذا العالم المصاب بالجنون، يبقى هناك بصيص من الأمل. يكشف الدكتور كاسيل طبيب مختبر شاب مؤثر وصاحب نظرية جديدة حول العلاج عن نتائج مذهلة بعد اختباراته الناجحة. وينخفض عدد الوفيات أخيرا ليعلن نهاية كارثة الطاعون المخيفة تماماً بحلول العام ١٩٤٠ ومن هنا تبدأ رؤية جديدة للحياة لدى الشعب تعتمر بفكرة قدرتهم الفردية والإرادة البشرية على مواجهة الشدائد مهما كانت شدتها وكيف يمكن لهذه المواقف الحرجة إبراز أقوى صفات الخير والحكمة والإيثار بين صفوف المجتمع تحت وطأة الألم والفزع المجسد لهول الموت العالمي الذي يشكل جزءا أساسيا من فلسفة وجود كامو الخاصة بالحياة والمعاناة والسؤال الكبير حول هدف الحياة ودور الانسان فيها ضمن نسج سردي ساحرشديد التأثير يصنع مشهدا أدبيا خالدا باقيًا ضمن خانة المكتبة العالمية للأدب الكلاسيكي الحديث .
